حوار مع المخرج وسيم القربي مخرج فيلم أزول حول امازيغ تونس azul
بعد نجاحه في أول تجربة له كمخرج من بوابة الفيلم القصير ب"أزهار تويليت" التي اختارت الصحراء الموريتانية لتستقر بها انفتحت شهية المخرج التونسي "وسيم القربي" الذي يواصل رحلة الوفاء لهويته المغاربية والتأريخ لثقافته الأمازيغية بأعمال تعتمد على البحث والتنقيب في جدران الماضي، وهو الذي تعود أن يكون نضاله بإمكانياته الخاصة وآلات التصوير التي ترافقه أينما استقر فكره على موطن الإبداع، فبعد التتويج والتشريف هاهو يتهيأ هذه الأيام وبالضبط خلال الفترة الممتدة من 10 إلى 15 أغسطس لتقديم العرض الأول لفيلمه الوثائقي "أزول" بلوس أنجلس ونيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية في إطار مهرجان الفيلم الأمازيغي، والدور القادم على فيلم "كيخوت".
باعتبار أن الفيلم القصير هو المخبر التجريبي للعديد من المخرجين إلى أي مدى خدمتك هذه التجربة لتنتقل اليوم وفي ظرف قياسي إلى جنس إبداعي أخر أكثر صعوبة وبموضوع على قدر كبير من الحساسية ؟
أول تجربة لي كمخرج كانت بفيلم قصير بعنوان "أزهار تويليت" وفي الحقيقة نجاح هذا الأخير أعطاني دفعا كبيرا للاستمرار ولخوض تجارب أخرى، فلم أكن أتوقع أن يحظى العمل بهذا القبول منذ مشاركاته الأولى في كبرى المهرجانات الدولية، فكان أول تجربة احترافية أتت ثمارها رغم قلة الإمكانيات التي ولحسن الحظ لم تؤثر على العمل بل كانت دافعا للاستمرار حبا في السينما ورغبة مني في تقديم أفلام وفرجة سينمائية تعبر عن آراءه وأوضاعه الاجتماعية، أردت بعدها التعمق والإبحار في تجربة أخرى، فكانت الوجهة الفيلم الوثائقي واختياري لهذا الموضوع أي الأمازيغ نابع من مجموعة التساؤلات التي كنت أطرحها باستمرار وبناءا على اهتمامي الكبير بالتاريخ كون والدي أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا، فاحتكاكي به وبالمادة زادا من رغبتي في تحصيل أكبر قدر ممكن من المعارف التي تتعلق بماضي الأمة وأحد القواسم المشتركة بين شعوب المغرب الكبير، فقد تربيت في كنف الكتب والمراجع التاريخية واعتدت زيارة قرى ومدن المناطق الداخلية لتونس، ومن الأماكن التي ترددت عليها كثيرا قرية "تمزرط" الواقعة بالجنوب التونسي وهي منطقة مهمشة لكن لها خصوصية وجمالية تنفرد بها عن باقي المناطق، حينها كنت أتساءل كلما زرتها عن اللغة الغريبة التي يستعملها الأهالي والتي لا أفهم منها شيئا، مع الوقت تحول ذاك الاهتمام إلى إصرار لمعرفة المزيد عن التاريخ، اللغة والموروث الأمازيغي، كما أن زياراتي وترددي الدائم على المغرب كان لها تأثير خاص وكلما ذهبت لزيارة صديقي الناقد المغربي "حميد تباتو" الذي يدرّس بقرية "تيغسالين" الواقعة بمنطقة جبال الأطلس كنت أُسأل عن أمازيغ تونس ولم أكن أملك حينها الجواب الكافي للرد عليهم، لأن فكرتي عن أمازيغ تونس لم تتعدى حدودها الفلكلوية والتسييحية إن صح القول، فبعد أصبحت أتردد كثيرا على تلك المناطق الأمازيغية اكتشفت بعض التقاليد والعادات التي يتميز بها الأمازيغ، وفي سنة 2009 قررت مواصلة البحث لتجسيد الفكرة التي تعتبر جزء من هويتنا كموضوع فيلم وثائقي، غير أن حساسية الموضوع والقمع الثقافي الطاغي في زمن الديكتاتورية حال دون ذلك وتأخر التصوير إلى أن منحتنا الثورة التونسية نسيم الحرية والإبداع وباشرنا حينها مرحلة التصوير الذي دام قرابة سنة ونصف.
أكيد أن أبجديات العمل على الوثائقي تختلف عن الفيلم الروائي وفلسفة التصوير تختلف في بعض التفاصيل أيضا ؟
بالفعل آليات تصوير الفيلم الروائي تختلف عن تصوير الفيلم الوثائقي فلهذا الأخير ميزة ومتعة خاصة حيث يقتنص المخرج وهو يصغي بتمعن وابنتاه كبيرين لمن يحاوره اللقطات العفوية والتي تكون في غالب الأحيان قيّمة وهامة، وباعتقادي أن العفوية والاستفزاز الذي يخلقه المخرج بين الفينة والأخرى من خلال بعض الأسئلة يكون سيد الموقف، كما أن بعض اللقطات والشهادات لا تحتمل الإعادة عكس الروائي، وعلى فريق العمل أن يكون على استعداد دائم لافتكاك تلك اللحظات التي لا يمكن أن تعاد بنفس المصداقية والعفوية، وعليه يجب أن يكون المخرج على قدر كبير من الذكاء ليكسب ثقة الناس والعمل على راحتهم حتى يأخذ منهم كل ما يريد من معلومات، في الحقيقة العمل هذا جعلني أشعر بأني جزء منهم و فرد من أفراد تلك القرى المهمشة التي تنتظر اليوم بشوق عرض الفيلم الذي كانوا أبطاله وصناعه الحقيقيين، على صعيد أخر يعتبر الفيلم الوثائقي أقل تكلفة إلا في حال اعتمد المخرج على مشاهد تمثلية أو خيالية لوضع المشاهد في الصورة أكثر وإقناعه بالقضية والموضوع المتناول، فارتفاع التكلفة مرهونة بما يريده المخرج وكذلك مدة التصوير التي قد تمتد إلى أيام أخرى غير المسطرة قبلا، مثلا أنا في فيلم "أزول" كنت ملزما بأن أتابع الشخصيات لفترة طويلة نسبيا، أشير هنا فقط أن الفيلم هو إنتاج مستقبل ثمرة جهدي الشخصي وزميلي "محمد بن رمضان" حيث عملنا على توفير الميزانية اللازمة حتى نختار منهجا مستقلا خاصة ونحن نعلم مدى حساسية الموضوع.
حملت بعض اللقطات الكثير من الرمزية والدلالات التي تترجم مدى حساسية الموضوع وواقع الأمازيغ وقد كان ذلك واضحا من اللقطة الأولى في مشهد السلاسل التي تحول دون إمكانية فتح الباب ؟
صحيح رمزية القفل والسلاسل الموضوعة على الباب في الواقع هي الرغبة في اختراق المواضيع المسكوت عنها في مجتمعاتنا، فهذا الأخير في تونس يعتبر من المواضيع المحرمة والممنوعة سياسيا، كما أنه صورة رمزية للبحث عن الهوية الأمازيغية وعن ثقافتنا الغنية والمهمشة، فالتطرق إلى الثقافة الأمازيغية فيه خوف من إثارة الفتن والحياد عن الوحدة الوطنية التي نجح بورقيبة في محو العروشية بطرق مختلفة، وبالتالي فعلا استفتحت العمل بلقطة كما ذكرتي ترصد المشكل بواقعيته لكن حمل الأطفال رجال الغد وصناع المستقبل للعلم الأمازيغي المتعارف عليه والموحد لهم أينما كانوا كان دليلا على أن الأمور ستسير نحو الأحسن مادامت الأجيال متمسكة بتاريخ أسلافها، كما بدا جليا في أخر مشهد.
هل اقتصر التصوير على بعض القرى التونسية أم شمل قرى من دول المغرب الكبير وشمال إفريقيا أين يتواجد الأمازيغ بكثرة كالجزائر والمغرب ؟
لا في الحقيقة اخترت أن يكون التصوير بالولايات التي كنت أزورها باستمرار الواقعة بالجنوب الشرقي لتونس كمدينة قابس، تطاوين ومدنين، وبشكل أدق ببعض القرى التي يتواجد بها أمازيغ تونس كفرية تمزرط، زراوة، الدويرات/ شنني، تكاوين وغيرها من الأماكن التي يقنطها أكثرية من الأمازيغ مع العلم أنهم موجودون بكل التراب التونسي، واخترت أن تكون مرحلة التصوير مع الأمازيغ الناطقين بالبربرية، أما بالنسبة للأرشيف فأجد أن كل ما تم تصويره فلكلوي وتسييحي لا يخدم كثيرا العمل، بينما اعتمدت على أرشيف بعض الجمعيات وما تملكه بعض الأهالي من صور، حتى نحتفي السينما بالثقافة التونسية الأمازيغية.
ما هو الجديد الذي أضافه هذا العمل "أزول" إلى ما هو متداول في المكتبة السينمائية أو باقي الآداب والفنون الأخرى فضلا على ما هو معروف ومتعارف عليه ؟
"أزول" هو أول فيلم وثائقي تونسي يحتفي بالثقافة الأمازيغية المحلية ويهتم بالهوية بعيدا عن كل الإنزلاقات والإسقاطات المعروفة ويرصد لمعالهم وحضارتها التي تتجلى في اللغة، الملبس والعمران، هدفي كان التعريف بالثقافة الأمازيغية التونسية والدعوة إلى ضرورة الحفاظ عليها أو انقاضها من الاندثار والزوال بالرغم من كل الحساسيات التي تحوم حول الموضوع والتي لا تزال قائمة إلى غاية يومنا هذا، فالأمازيغية مثلها مثال باقي لغات العالم والحضارات والثقافات التي مرت على تونس و ساهمت في بناء تاريخها ولا تزال تشكل حيزا كبيرا في المجتمع إلى غاية يومنا هذا، وهذا الفيلم بالدرجة الأولى هو تعمق في الهوية المطموسة وبحث عن حقيقة التاريخ المزيف سينمائيا.
هل اخترت كلمة "أزول" والتي تعنى التحية والسلام عنوانا لفيلمك كدلالة على حاجتنا كأمازيغ وعرب للسلام بعيدا عن كل الفوارق ؟
ما أحوجنا اليوم إلى السلام ... كلمة "أزول" الكثيرة التداول في مجتمعاتنا معناها موحد عند كل الأمازيغ وبالضبط عند أمازيغ شمال إفريقيا وتعني الترحاب والسلام هذا المعنى الأمازيغي للكلمة، بينما معناها العربي فيقصد به الزوال والاندثار، ولعله من أهم المشاكل التي عانت منها الثقافة الأمازيغية بالرغم من أن العديد من العادات والكلمات وكذا المناطق هي من أصول أمازيغية إلا أن المسؤولين عن قطاعي السياسة والثقافة يخشونها ويزيفون الحقائق بدافع الخوف حسب اعتقادي، هذا الخوف الذي يحاول فيلمي تجاوزه بحثا عن الأصول والهوية، حيث تسعى فيه الصورة لإبراز التعدد والهروب من بعض المزالق المسيسة.
لو نتحدث عن المشروع السينمائي الجديد الذي انتهيت مؤخرا من تصويره ؟
بالفعل أوشك الآن على الانتهاء من مرحلة المونتاج لفيلم قصير أخر، انتهيت من تصويره مؤخرا بموريتانيا ليكون ثاني عمل لي يصور هناك بعد فيلمي القصير الأول "أزهار تويليت" فموريتانيا بلد يمتلك مناظر طبيعية رائعة للتصوير تخدم كثيرا العمل، أما بالنسبة لموضوع الفيلم الذي أشتغل عليه حاليا والموسوم ب "كيخوت" يتناول بصورة رمزية ديكتاتورية الربيع الديموقراطي ، اشتغلت فيه مع طاقم متعدد الجنسيات يضم خيرة الممثلين كصديقي الفنان الموريتاني الذي سبق وأن تعاملت معه "سالم داندو" والممثلة المغربية "أمال ستة" وبعض الشباب الموريتاني الموهوب.
تبدو متمسكا كثيرا بالوحدة المغاربية في أفلامك ؟
صحيح في أفلامي أحاول دوما الحفاظ على التوجه المغاربي بتركيبة فنية متعددة الجنسيات تحقق الوحدة المغاربية بكل تجلياته بعيدا عن كل تلك الشكليات والرسميات، ورغم صعوبة التجربة إلا أن نتائجها تنسينا ذلك التعب وتبقى راسخة في ذاكرتنا تؤججها النجاحات الأولى والقادمة سواء لفيلم أزول أو لباقي المشاريع المستقبلية التي سوف لن تنسلخ عن البعد المغاربي في موضوعه وفريق عمله، لخلق وتجسيد وحدة فنية متكاملة البنى والرؤى بامتياز، وبالنسبة لفيلم "أزول" أتوقع أن يكون له صدى عالي وكبير، على أمل أن تكون كل أفلامي المقبلة خطوة ملتزمة نحو إرساء موقع خاص بي في الخارطة السينمائية الجدية والفعالة.