لغات بلا حدود: شعار اليوم العالمي للغة الأم هذه السنة.. وإستحضار قوي للأمازيغية
يحيي العالم، يوم 21 فبراير 2020، اليوم العالمي للغَة الأم International Mother Language Day، الذي ترعاه الأمم المتحدة، باعتبار اللغة الأم عاملًا أساسياً لاكتشاف وتعزيز التنمية الشخصية، والهوية الثقافية، والتفاهم ما بين الثقافات المتنوعة، بالإضافة إلى كون اللغة الأم الوسيلة الرئيسية للتواصل الاجتماعي، كما أنها تشجع أيضاً على تطوير التقاليد اللغوية والثقافية في كافة أنحاء العالم، كما أنها ستساهم في تحقيق التضامن المبني على التفاهم والتسامح والحوار، كذلك هي أداة لإشباع حاجات المتعلم وتحقيق الاطمئنان النفسي له، وفي النهاية هي أداة للتعليم والتعلم بجميع أشكاله...
"لغات بلا حدود".. هو شعار هذه السنة، وسيسهم احتفال هذا العام باليوم الدولي للغة الأم بتعزيز الحوار السلمي والإدماج الاجتماعي، وموضوع احتفال عام 2020 هو “لغات بلا حدود”. وما الاعتراف بالتنوع اللغوي والثقافي واحترامهما إلا مساهمة في تعزيز وحدة المجتمعات وتماسكها، وهما الأساس لتحقيق سلام أكثر ديمومة ضمن المجتمع نفسه وفيما بين المجتمعات على حدٍّ سواء، وهما اللذان حثّا منظمة اليونسكو على اتخاذ القرار بالاحتفال باليوم الدولي للغة الأم ودعموتعزيز اللغات المهددة في العالم ...
وتنظِّم اليونيسكو بمناسبة اليوم الدولي للغة الأم لعام 2020، فعالية تدوم طيلة اليوم، وتتضمن احتفالاً افتتاحياً في الصباح، بعنوان “لغات عابرة للحدود”، ومائدة مستديرة عن السواحيلية بعد الظهر. وتدعو المنظمة جميع أعضائها وشركائها لدعم الامازيغية في شمال افريقيا، والاحتفال بالتنوع اللغوي والتعددية اللغوية كقوتين فاعلتين في تحقيق التنمية المستدامة والسلام المستدام.
ويأتي الإحتفال هذه السنة في وقت تتفاقم فيه الأخطار المحدقة بالتنوع اللغوي، فاللغة وسيلة جوهرية للتواصل بكافة أنواعه، والتواصل هو ما يجعل التغيير والتطور ممكنا في المجتمع البشري. فاستخدام أو عدم استخدام لغة معينة كفيل بفتح أو بسدّ الأبواب أمام شرائح واسعة من المجتمع.
العربية والأمازيغية تجسدان اللغتين الأم في الجزائر والمغرب وبلدان مغاربية اخرى، “بدون أي جدال” وبهذه المناسبة، اعتبر رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد أن العربية والأمازيغية تجسدان اللغتين الأم في الجزائر “دون أي جدال، في تكامل ناجم عن الانصهار الموروث عن الأجداد'”.
وقال السيد بلعيد خلال احتفال نظمه المجلس الأعلى للغة العربية بالمناسبة إن اللغتين الأم بالجزائر هي العربية والأمازيغية “ لما لهما من معايير اللغة الأم والمتمثلة في الترسيم والاستعمال و التدريس والأبجدية”، مؤكدا انه “لا يوجد أي جدال في هذا الخصوص، فالتكامل بين اللغتين قائم وناجم عن الانصهار الموروث عن الأجداد الذين جعلوا لكل من اللغتين وظيفة ومكانا تختص بها في مجتمع جزائري متّن الهوية اللغوية بشعار البقاء للأمازيغية والرقي بالعربية وأن الترابط بين الاثنين هو العروة الوثقى للجزائر”.
وقال المتحدث في كلمته التي ألقاها أمام باحثين جامعيين ومختصين في اللسانيات وأعضاء من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن “اللغة تبقى عنوان كل أمة ووعاء ثقافتها”، ولذا فهي تعمل جاهدة- كما أضاف- للحفاظ عليها وعلى تنوعاتها التي تجسد ثراءها اللغوي والثقافي.
وتعرف فعالية الاحتفاء باليوم العالمي للغة الأم من جهة أخرى تنشيط محاضرات حول أهمية الموضوع، والتي ركزت على العلاقة التي تربط اللغتين الأمازيغية والعربية ودور اللغة الأم في المسار التعليمي والمناهج الدراسية بالجزائر.
الأمازيغية.. قصة لغة ضاربة في التاريخ وتعد الأمازيغية من أقدم اللغات العالمية إلى جانب اللغات المصرية القديمة والفينيقية والإغريقية والعبرية والكوشية. وقد وصلت إلينا عن طريق التداول بشمال إفريقيا، فهي لغة قائمة بذاتها لها لهجاتها المنبثقة عنها والتي تلتقي في أصل واحد بصورة واضحة ، لا في معطياتها النظرية فحسب، ولكن حتى في معطياتها المتصلة بالممارسة و الإستعمال، ورغم قدم اللغة الأمازيغية فما زالت حية محافظة على كيانها الذاتي، يتخاطب بها الناس في تلقائية وعفوية وقابلة للإنتعاش والإزدهار.
وقد صنفت اللغة الأمازيغية في البداية من طرف الباحثين ضمن اللغات السامية، الحامية إلى جانب اللغة المصرية القديمة، وتصنف الآن حسب المدرسة الأنجلوساكسونية ضمن اللغات الأفرو آسيوية. وقد كانت الأمازيغية لغة كتابة منذ العصور القديمة، وقد كتبها أجدادنا الأمازيغ ونقشوها إما على شواهد القبور واللوحات الحجرية و إما مع النقوش الصخرية في كل ركن من أركان شمال إفريقيا والصحراء الكبرى وتعرف هذه الكتابة الأمازيغية بتسميات مختلفة لدى الباحثين مثل الكتابة الليبيكية البربرية أو الكتابة الليبية الأمازيغية أو تيفناغ أو بالكتابة الأمازيغية، ويعود أول إكتشاف لكتابة تيفناغ إلى سنة 1631، إذ عثر الباحث طوماس داركو في مدينة دوكا وعلى جدار ضريح ماسينيسا على نقيشة مزدوجة الكتابة الأمازيغية والبونية والتي درست في أواخر القرن 19 م وبداية القرن 20 م.
وتيفناغ كلمة مركبة من كلمتين (تيفي- ناغ) أي اكتشافنا واختراعنا وبمعنى أدق كتابتنا وخطنا الذي ابتكرناه وقد كان عدد حروفها في البداية 16 حرفا صامتا ثم صار 23 حرفا صامتا في عهد المملكة المازيلية النوميدية.
فأضيفت إلى الحروف الصامتة في زمن متأخر، حركات أو حروف متحركة، وقد كان الأمازيغيون القدماء يكتبون بحروف تيفناغ من الأعلى إلى الأسفل في أول عهدهم بالكتابة، ثم كتبوا في جميع الإتجاهات، ودام ذلك الوضع إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث أخذ التوارق يستقرون على الكتابة من اليمين إلى اليسار تقليدا لما هو معمول به في العربية.
بينما كتبها أبناء الحركة الثقافية الأمازيغية منذ منتصف القرن العشرين من اليسار إلى اليمين وقد خضعت الكتابة الأمازيغية تيفناغ لمجموعة من التطورات ليصبح عدد حروفها حاليا 33 حرفا تعرف باسم TIFINAGH IRCAM .
هناك عدة لغات مهددة بالإندثار عبر العالم اليوم، وتؤكد أرقام اليونيسكو أن هناك أكثر من 50 % من اللغات المحكية في العالم -والبالغة سبعة آلاف لغة حية- معرضة للاندثار في غضون بضعة أجيال، وأن 96 % من هذه اللغات لا يتحدث بها سوى 4 % من سكان العالم. أما اللغات التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم فلا يزيد عددها على بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن مئة لغة.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من البلدان في القارة الأوروبية حصلت على حق التعليم باللغة الأم، مثل اللغة الإيرلندية في جمهورية إيرلندا، والكتالونية والباسكية في الإقليمين المستقلين وكانتا مرتبطتين باللغة الإسبانية، واللغة الكورسيكية وكانت مرتبطة باللغة الفرنسية. وبالإضافة إلى اللغة العربية، تعترف بلدان في المنطقة المغاربية باللغة الأمازيغية وهي من ضمن لغات الأم التي يتم تدريسها في بعض المدارس وأنشئت لها معاهد تعليمية كما هو الحال في المغرب والجزائر.
بقلم: لمياء.ب ـ من الجزائر