الزرابي الأمازيغية .. جودة عـالـيـة وتحفة فنية تغزو المعارض العالمية
الزربية الامازيغية تغزو الاسواق و المعارض العالمية عن جدارة واستحقاق... وفي البداية نلقي اولا نبدة عن صناعة الزربية الامازيغية كما تحكيها لنا الصانعة التقليدية الامازيغية لطيفة الدوادي ابنة منطقة منطقة تازناخت المعروفة عالميا بجودة زرابيها المصنوعة يدويا وبمواد طبيعية مائة في المائة ...
لقد شكّل المغزل والمنسج وخيوط الصوف الملونة طفولة الصانعة الامازيغية لطيفة الداودي، ابنة منطقة تازناخت بجبال الأطلس الكبير. ووجدت هذه الشابة الأمازيغية نفسها نسّاجة بارعة مثل والدتها وجدتها ونساء قريتها، حيث الغزل والنسج جزء من يوميات كل امرأة أمازيغية بالمنطقة، والمنسج أداة أساسية في كل بيت ....
الصانعة التقليدة الامازيغية لطيفة اليوم رئيسة مجموعة لنسج الزرابي ذات نفع اقتصادي بتازناخت، تنتج رفقة بنات قريتها الامازيغية زرابي يعبرن فيها عن ثقافتهن وعاداتهن الأمازيغية الأصيلة، ويسهرن على تسويقها في المغرب و بلدان العالم...
الصانعة الامازيغية لطيفة الداودي تقف وسط زرابي أمازيغية منسوجة بأيدي نساء تازناخت
مهارة لطيفة
ليست الزرابي عملا يدويا هدفه الربح فقط، تقول لطيفة، بل إنها جزء من هوية هؤلاء النساء، فهن يطلقن العنان لمخيلتهن وأحاسيسهن لرسم لوحات فنية ساحرة، وتتحول الخيوط الصوفية الملونة في أيديهن إلى ريشة مطواعة تنقل على المنسج لحظات فرحهن وحزنهن وعشقهن وانتظارهن وأحلامهن.
معلمة زربية بلباس أمازيغي تقف أمام منسوجاتها من زرابي منطقة تازناخت الأمازيغية
وتعتبر زربية تازناخت أو الزربية الواوزكيتية، من أشهر أنواع السجاد في المغرب، معروفة بجمالها وجودتها وألوانها البراقة، تصنع من صوف جبل "سروة" وهو أجود الصوف بالمغرب، وألوانها مستخلصة من الأعشاب الطبيعية مثل الحناء وقشور الرمان والفوة وغيرها.
مهارة نساء تازناخت الامازيغيات لا تخطئها العين، وتتناقلها الألسنة عبر حكايات ظلت خالدة عبر التاريخ، تحمل لطيفة بين يديها زربية وتقول بفخر يشع من عينيها إن الزربية الواوزكيتية تنسج بصبر وإحساس مرهف، ومهارة لا تختص بها إلا نساء المنطقة.
سيدة أمام المنسج تشتغل على إنجاز زربية باليد
طقوس نسج الزربية الامازيغية
تبدأ الطقوس الأولى لصناعة هذه الزربية في مايو/أيار، بجز صوف الغنم وغسله وتنظيفه في مياه وديان المنطقة الرائقة، ثم تنشيفه وتمشيطه وصباغته بالنباتات الطبيعية، ثم غزل الخيوط الصوفية لتتحول فيما بعد إلى حكايات منقوشة على زرابي تخلب الألباب.
زرابي متنوعة من أصول رباطية
ألوان متوارثة وزخارف فنية اصيلة
وتعتمد نساء المنطقة في نسج الزرابي على ثلاثة ألوان رئيسية هي الأحمر والأصفر والأزرق وهي ألوان توارثنها جيلا بعد جيل، لكن ذلك لا يمنع من إضافة ألوان أخرى، وحسب لطيفة فإن زربية تازناخت تتطور باستمرار بفضل خيال وإبداع النساء، لكنها لا تنسلخ عن جذورها وأصالتها المنبثقة من جبال الأطلس الشامخة.
الخيال والإبداع الذي يحرك لطيفة ونساء تازناخت، يسكن أيضا لكبيرة فتان ابنة منطقة الشاوية ، فهي تحول الخيوط الى لوحات فنية تنبض بالحياة.
بحنين جارف إلى الماضي، تتذكر السيدة لكبيرة فتان في حديثها كيف بدأت علاقتها بنسج الزرابي وهي في سنوات عمرها الأولى، حين كانت تجلس بجانب والدتها وهي تغازل خيوط الصوف بيديها، بينما صوتها يصدح بالأهازيج.
لم تكتف هذه المرأة الخمسينية بنسج الزرابي "المراحية" التي تعرف بها منطقتها، بل انطلقت في عالم الإبداع لتحول خيوط الصوف إلى زرابي حائطية مضمخة بمعاني الوطنية.
خيال جامح وذوق فني رفيع
على أرضية بيضاء، نسجت كبيرة بخيوط ملونة شعار المملكة المغربية، نجمة خماسية بالأخضر، شمس ساطعة، أسدين أطلسيين، تاج ملكي بألوان العلم، ولافتة مكتوب عليها "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ". تلك أحب الزرابي إلى قلبها، تقول كبيرة، فقد قضت في نسجها سبعة أشهر، استنزفت خلالها أفكارها وخيالها الجامح يحذوها حرص كامل للتدقيق في كامل خطوط اللوحة.
وإلى جانب لوحتها تلك، تصطف أخريات من نفس معين الوطنية، واحدة مكتوب عليها "قسم المسيرة"، وأخرى كلمات النشيد الوطني، وثالثة يظهر فيها مسجد الحسن الثاني أكبر مساجد المملكة.
تقف كبيرة وسط لوحاتها الفنية وزرابيها الزاهية الألوان، تجمع كلتا يديها وتقربهما إلى صدرها وتقول بفرح طفولي "إنهم مثل أولادي، اشتغلت عليهم بكل جوارحي ونسجتهم بأحاسيسي".
العمل اليدوي بالنسبة لكبيرة مزاج وحالة عشق، لذلك قد تقضي شهورا وهي تنسج زربية حائطية أو أرضية دون كلل أو ملل، تغرق في التفاصيل إلى حد تنسلخ فيه عن العالم من حولها، فلا تعود إلى الواقع إلا بعد أن تضع آخر خيط في عملها الفني.
خديجة بنحمزة معلمة الزربية الزمورية التي تتميز بخطوط طولية وأشكال هندسية متنوعة
حس خديجة
أما خديجة بنحمزة المنحدرة من مدينة الخميسات (شرق الرباط) فتشتغل على الحنبل أو الزربية الزمورية رمز منطقة زمور، وتختص بأسلوب مغاير في النسج، تقول خديجة التي ورثت بدورها الحرفة عن والدتها إن النساء في منطقتها يشتغلن في نسج الزرابي اعتمادا على حسابات رياضية ووفق أشكال هندسية مضبوطة.
زرابي من مدينة سلا المجاورة للعاصمة الرباط المستوحات من الزربية الاطلسية
وتعزو خديجة هذه الدقة في العمل إلى أن المنطقة كانت أرض حضارات قديمة، تشير إلى إحدى الزرابي حيث الخطوط الطويلة والرموز الهندسية تتراص بإتقان متناه وتقول "هذه هي الزربية الزمورية الأصيلة"، بيد أنها لا تخفي إدخال نساء زمور تقنيات جديدة في الصباغة والتصميم وعدم تقيدهن بالرموز والأشكال الموروثة عن الجدات.
ويعكس الحنبل الزموري العادات الشعبية للمنطقة وثقافتها الأمازيغية كما تحكي خديجة، وتعكس تلك الخطوط والرموز المميزة والألوان المستعملة حسا إبداعيا راقيا لنساء زمور وتاريخا إنسانيا وحضاريا عريقا.
زربية زمورية تتميز بخطوط وأشكال هندسية
حماية وتسويق
ولحماية هذا التراث المغربي الأصيل وتسويقه، اجتمعت النساء الثلاث إلى جانب أخريات يمثلن مناطق مختلفة في معرض وطني بالرباط نظمته وزارة الصناعة التقليدية بالتعاون مع جهات رسمية.
وهذا المعرض هو واحد من الواجهات التي تعتمدها الحكومة المغربية للحفاظ على الزربية المغربية اليدوية من الاندثار في مواجهة آلات الحياكة وتراجع عدد الصانعات.
وليست المعارض الجماعية وحدها التي ستحمي هذا التراث الوطني، بل إن وزارة الصناعة التقليدية أطلقت برامج عديدة لها نفس الهدف كما قال عبد الجليل الرجراجي مدير المحافظة على التراث والابتكار.
سيدة تغزل خيوط الصوف تمهيدا لنسج الزرابي
فضاءات للنساجات
ويتحدث الرجراجي عن إنشاء 83 دارا للمهنيين تتوزع على امتداد المغرب، هذه الدور هي فضاءات تجتمع فيها النساء القرويات النساجات لإنتاج الزربية والاستفادة من دورات تكوينية في التصميم والابتكار والتلوين، وأيضا للتواصل المباشر مع المستهلك فهي "تحمي النساء من الوسطاء الذين يشترون منهن الزرابي بأبخس الأسعار، ويبيعونها بمبالغ باهظة" يشرح الرجراجي.
زرابي متنوعة من منطقة تازناخت بالأطلس الصغير
ويشير إلى أنه تم تسجيل 20 علامة جماعية للتصديق ومنح شارات الجودة، (شارات تمنح لأنواع من الزرابي تستجيب لمعايير خاصة للجودة)، وسجلت هذه الزرابي في المكتب المغربي للملكية الفكرية وأيضا في مؤسسات مماثلة في أوروبا وأميركا مما يسمح بحمايتها من القرصنة من بعض الدول المنافسة.
زرابي أمازيغية قديمة
مخاوف النساجات
لطيفة وكبيرة وخديجة، ثلاث حكايات لنساء "معلمات" ينقلن ثقافتهن وأسلوب حياتهن في زرابي منسوجة بحب وشغف، يمتلكن مهارات ورثنها عن الجدات، وأضفن عليها لمسات خاصة معاصرة دون أن يتنكرن لإرث الماضي، لكنهن اليوم مسكونات بمخاوف من اندثار هذا الإرث، بعدما أدار الجيل الجديد ظهره عنه، وبدأت شعلة الصبر والحماس والتمسك بالتراث تنطفئ شيئا فشيئا.
زرابي متنوعة من منطقة تازناخت بالأطلس
بقلم: سناء القويطي
مواضيع ذات صلة
التعليقات
الزرابي الأمازيغية .. جودة عـالـيـة وتحفة فنية تغزو المعارض العالمية