المجلس الأعلى للتعليم والامازيغية ( موضوع تجريبي 2 )
يستعد المجلس الأعلى للتعليم لتقديم اقتراحاته حول موضوع التمكن من الكفايات اللغوية. وفي هذا الإطار، وجّه استمارة إلى المفتشين التربويين لاستطلاع رأيهم "حول سبل الارتقاء بالتمكن من اللغات في المدرسة المغربية"، "ترسيخا للمقاربة التشاركية التي يعمل بها المجلس، القائمة على التشاور المستمر مع مختلف الفاعلين المعنيين"، كما جاء في الورقة التقديمية المرفقة بالاستمارة.
تتوزع الاستمارة على واحد وعشرين سؤالا. والذي يهمنا من هذه الأسئلة، وهو ما دفعنا إلى التعقيب عليها وإبداء ملاحظاتنا حولها، تلك التي تتصل باللغة الأمازيغية.
والأمر الأول اللافت هو أن المجلس أدرج اللغة الأمازيغية ضمن اللغات المدرسية بالمغرب،كالعربية والفرنسية ولإنجليزية والإسباينة والألمانية والإيطالية... وهذا في حد ذاته اعتراف بأن الأمازيغية هي لغة لا تختلف، في وظائفها وقدراتها اللغوية، عن اللغات المدرسية الأخرى، إلا بنفس القدر من الاختلاف الذي يمكن أن يوجد بين تلك اللغات نفسها. هناك إذن "مساواة"، على مستوى الوظيفة المدرسية والتعليمية، بين الأمازيغية وباقي اللغات الأخرى المذكورة في الاستمارة، والمستعلمة في المدرسة المغربية. وهذا شيء مهم جدا بالنسبة للأمازيغية.
لكن كل المشكل في هذه الاستمارة، فيما يخص اللغة الأمازيغية، هو في هذه "المساواة" نفسها، بين الأمازيغية وغيرها من اللغات المدرسية بالمغرب. لماذا؟
لأن إقرار هذه "المساواة"، من خلال إدراج الأمازيغية بجانب اللغات الأخرى، سيؤدي، بالنظر إلى نوع الأجوبة المتوقعة فيما يخص الأمازيغية، إلى نفي تلك "المساواة" عندما تؤكد تلك الأجوبة تفوق تلك اللغات الأخرى على الأمازيغية، وتبيّن أن هذه الأخيرة هي دون مستوى تلك اللغات التي كانت تحظى دائما بالعناية والتطوير والدعم والحماية، عكس الأمازيغية التي كانت دائما ضحية للتهميش والإقصاء والحصار.
وهكذا، فإذا كان التعامل بـ"المساواة" مع الأمازيغية بإدراجها، ضمن الاستمارة، بجانب اللغات الأخرى المستعملة بالمدرسة المغربية، يعطي لها وضع قوة، فذلك من أجل الإقناع في النهاية، واستنادا إلى نتائج تفريغ وتحليل أجوبة الاستمارة، بأنها لغة ضعيفة مقارنة مع اللغات الأخرى المستعملة في التعليم.
لنوضح هذه المسألة من خلال أمثلة من أسئلة الاستمارة:يقول السؤال الثاني: "ما اللغة أو اللغات التي تعلمتها خلال مسارك التكويني ولكن لا تستعملها حاليا أو نادرا ما تستعملها؟". أما الأجوبة الممكنة التي حددتها الاستمارة فهي: العربية، الفرنسية، الإسبانية، الألمانية، الروسية، الإيطالية، لغات أخرى". نلاحظ أن الأمازيغية غير مذكورة بشكل صريح ضمن اللغات التي قد يكون المستجوَب قد تعلمها خلال مساره التكويني. وهذا شيء منطقي وواقعي، لأن لا أحد من المفتشين التربويين الحاليين، الذين وجهت لهم هذه الاستمارة، قد سبق له أن تعلم الأمازيغية خلال مساره التكويني لأن هذه اللغة لم "تلج" المدرسة إلا في أكتوبر 2003.
لكن هذا المنطق وهذه الواقعية سيختفيان من السؤال الثالث، الذي هو تابع للسؤال الثاني السابق، والذي نصه كالتالي: "بالنسبة لكل اللغات التي تعلمتها خلال مسارك التكويني والمذكورة في الجدول الموالي، من فضلك عيّن وحدد درجة تمكنك من هذه اللغة، وذلك لكل واحد من الجوانب الأربعة (التعبير الشفهي، فهم المسموع، فهم المقروء والتعبير الكتابي)"، مع اختيار أحد الأجوبة الأربعة: متمكن بشكل جيد جدا، متمكن بكل جيد، متمكن بشكل لا بأس به، متمكن بشكل غير جيد، متمكن بشكل غير جيد بتاتا. والجدول الذي يعدد اللغات التي يمكن أن يكون المستجوَب قد تعلمها خلال مساره التكويني يتضمن بشكل صريح اللغة الأمازيغية، مع أنه نفس المسار التكويني المشار إليه في السؤال رقم اثنان، والذي لا ينص صراحة على اللغة الأمازيغية، وهو ما اعتبرناه منطقيا وواقعيا. لماذا هذا التناقض إذن حول نفس الموضوع وبصدد نفس المسار التكويني لنفس المستجوَب؟
لكن الخطير في هذا السؤال هو الجوانب التي ينصب عليها، والتي حددت لها الأجوبة الخمسة الممكنة المشار إليها. ذلك أن الجواب المناسب والخاص باللغة الأمازيغية، في ما يتصل بخانتي "فهم المقروء" و"التعبير الكتابي"، سيكون هو: "متمكن بشكل غير جيد بتاتا". لأن لا أحد من هؤلاء المفتشين ـ كما سبقت الإشارة إلى ذلك ـ قد سبق له أن تعلم الأمازيغية في المدرسة بشكل يجعله قادرا على قراءتها (فهم المقروء) وكتابتها (التعبير الكتابي). وإذا عرفنا أن اختيار هذا الجواب (متمكن بشكل غير جيد بتاتا) سيشكل ـ على افتراض أن الأجوبة ستكون صادقة ـ نسبة 100%، أي أن 100% من المستجوبين لا يعرفون قراءة وكتابة الأمازيغية، المفترض أنهم تعلموها خلال مسارهم التكويني حسب نص السؤال. وهي نتيجة تظهر الأمازيغية إما كلغة صعبة جدا إلى درجة لا يمكن معها تعلم قراءتها وكتابتها، أو أن الجميع ينفر منها ويرفض تعلمها. وفي كلتا الحالتين، فهي لغة لا تصلح للاستعمال المدرسي الذي يعتمد على القراءة والكتابة أساسا.
فالخدعة هنا، التي لا تختلف عن عملية نصب على اللغة الأمازيغية، أن الأمازيغية أدرجت في السؤال الثالث ضمن اللغات التي يفترض أنها اكتسبت بالتعلم خلال المسار التكويني للمستجوَب، مثلها مثل العربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية... لكن الجواب، فيما يتعلق بخانتي "فهم المقروء" و"التعبير الكتابي"، سيبيّن أن لا أحد قد استفاد خلال تكوينه من تعلم قراءة وكتابة الأمازيغية، خلافا للغات الأخرى التي ستكون الإجابة الإيجابية بصددها أفضل بكثير من الإجابة الخاصة بالأمازيغية.
ولا يمكن الاعتراض على هذا الاستنتاج بأن الأمر يتعلق فقط باللغات التي يكون المعني قد تعلمها بالفعل خلال مساره التكويني، ولا تشمل بالضرورة كل تلك المذكورة بالجدول، في حالة ما إذا لم يكن قد تعلمها فعلا مثل الأمازيغية أو الروسية أو الإيطالية مثلا، والتي هي مذكورة كذلك ضمن الجدول. لا يمكن الاعتراض على ذلك لأن واضعي الاستمارة، لو أرادوا استبعاد اللغات التي لا تدخل ضمن اللغات التي تعلمها المستجوَب خلال مساره التكويني، لما ذكروا أصلا الأمازيغية لأنها هي بالفعل من اللغات التي لم يتعلمها مدرسيا أي من المفتشين في مساره التكويني. والدليل على ذلك أن هذا السؤال الثالث لم يذكر الدارجة ولا الحسانية الواردتين في السؤال الأول بجانب الأمازيغية، واللتين ينطبق عليهما ما ينطبق على الأمازيغية فيما يخص عدم تعلم هذه اللغات الثلاث من طرف المفتشين خلال مسارهم المدرسي والتكويني.
ومن جهة أخرى، فالكثير من المفتشين يتقنون التحدث بالأمازيغية ويفهمون من يتحدثها. وبالتالي فسيضعون إجابات إيجابية (متمكن بشكل جيد جدا، متمكن بشكل جيد، متمكن بشكل لا بأس به) في خانتي "التعبير الشفهي" و"فهم المسموع"، مقابل إجابتهم السلبية (متمكن بشكل غير جيد بتاتا) في خانتي "فهم المقروء" و"التعبير الكتابي". وهو ما سيجعل النتائج النهائية لهذا السؤال (الثالث) مغلوطة ومغلّطة، لأنها ستظهر الأمازيغية، على عكس اللغات المدرسية الأخرى، كلغة تعاني من إعاقة على مستوى تعلم القراءة والكتابة، هذا التعلم الذي هو الشرط الأول للنجاح المدرسي. مع أن الحقيقة أن المستجوبين، إذا كانوا يجيدون الاستعمال الشفهي للأمازيغية ويجهلون قراءتها وكتابتها، فالسبب هو أنهم لم يدرسوها كما درسوا اللغات الأخرى التي وضعت الأمازيغية على قدم "المساواة" معها في الاستمارة، وهو ما يبرزها كلغة عاجزة عن الخروج من الشفاهية والارتقاء إلى مستوى لغة الكتابة والتدوين. وهذا سيعني أنها لغة تفتقر إلى الكفاءة الذاتية التي تؤهلها أن تكون لغة مدرسية تستعمل للقراءة والكتابة.
أما السؤال رقم 19 فيضعف الأمازيغية، مقارنة باللغات الأخرى الواردة في الاستمارة، بشكل أكبر وأكثر، عندما يدرجها ضمن اللغات التي طلب من المستجوَب أن يختار منها لغتين تؤهلان المتعلمين لسوق الشغل أكثر من غيرهما.
يجب الاعتراف أن الأمازيغية، نظرا لما عاشته من تهميش وإقصاء لما يزيد عن نصف قرن، لا يمكن أن تؤهل المتعلم لسوق الشغل بنفس مستوى اللغات الأخرى التي أدرجت الأمازيغية بجانبها على سبيل "المساواة" بينها وبين تلك اللغات، كما سبقت الإشارة. لماذا؟ لأن سوق الشغل، سواء في القطاع العام أو الخاص، يختار المرشحين حسب شواهدهم التعليمية التي هي شواهد حصلوا عليها بلغات أخرى غير الأمازيغية، وبناء على مباريات لا تحضر في موادها اللغة الأمازيغية. ثم إن سوق الشغل يحتاج إلى عمال ومستخدمين وموظفين يجيدون إعداد وقراءة وثائق لا تستعمل اللغة الأمازيغية، كما في الشركات والإدارات العمومية. النتيجة، إذن، أن الأمازيغية، بالنظر إلى الوضع اللغوي الحالي للمغرب، لا تؤهل بتاتا لسوق الشغل، وهو ما ستكشف عنه نتائج الاستمارة الخاصة بهذا السؤال رقم 19. وهو ما يبرزها، مرة أخرى، كلغة قاصرة وعاجرة وعديمة الجدوى، لا تسمح لصاحبها بالحصول على شغل، مثل اللغات الأخرى. وإذا كانت الأمازيغية لا تؤهل المتعلم لسوق الشغل، فلماذا تعليمها له؟
وهذه هي الخدعة الكبرى في هذه الاستمارة: فإذا كانت الأمازيغية لا تؤهل المتعلم لسوق الشغل، فذلك ليس لقصور ذاتي فيها كلغة، كما تريد أن تؤكد ذلك نتائج الاستمارة التي أدرجتها بجانب اللغات التي تؤهل للحصول على شغل، بل لأنها تعاني من إقصاء سياسي جعلها لغة غير تعليمية ولا تستعمل في الإدارة ولا في مؤسسات الدولة، وبالتالي لا طلب عليها في سوق الشغل. لكن هذا الواقع لا تشير إليه الاستمارة، التي تعاملت مع الأمازيغية كما تعاملت مع الفرنسية والعربية والإنجليزية. إنها خدعة ونصب أو جهل وعدم فهم.
يمكن تلخيص الطريقة التي تعاملت بها الاستمارة مع الأمازيغية، بمطالبتها على قدم المساواة بما طالبت به نفس اللغات المدرسية الأخرى، بالمثال التوضيحي التالي:
لنتصور طائرا نتف ريش جناحيه بشكل أصبح معه عاجزا نهائيا عن الطيران، ثم أُجبر، ودون مراعاة وضعه الخاص ولا أدنى تمييز بينه وبين الطيور الأخرى التي تتوفر على أجنحة سليمة، على المشاركة في مباراة للتحليق في الجو تتنافس فيها طيور تلقت، ولمدة طويلة، تدريبات على الطيران في الأجواء العليا مع استفادتها من تغذية خاصة منذ نشأتها إعدادا لها لخوض هذه المباراة. الطائر المقصوص الجناحين سوف لن يقوى طبعا على الارتفاع عن الأرض ولو لمتر واحد، في حين أن الطيور الأخرى ستحصل على المراتب الأولى في هذه المباراة. طبعا، لجنة التحكيم سوف لن تدوّن في تقريرها إلا النتائج المتحصل عليها بالنسبة لمختلف المتبارين، ولا دخل لها في شأن من لا يتوفر على أجنحة سليمة تسمح له بالطيران بشكل طبيعي.
نفس الشيء بالنسبة لواضعي أسئلة الاستمارة: فقط تهمهم النتائج النهائية لأجوبة الاستمارة كنسب حسابية (كذا في المائة)، ولا يهمهم بعد ذلك وضع اللغة الأمازيغية "المقصوصة الجناح"، والتي أقحمت للمشاركة في "هذه "المباراة" التي يتوقف الفوز فيها على التوفر على أجنحة سليمة وبـ"ريش" جيد وصحي.
إن "المساواة" بين الأمازيغية واللغات المدرسية بالمغرب بإدراجها، على قدم المساواة مع هذه اللغات، ضمن أسئلة استمارة خاصة بتقييم التمكن من الكفايات اللغوية، هي "مساواة" بلا معنى على المستوى الموضوعي والعلمي، ولكن ذات هدف، يتمثل في "إثبات" عجز اللغة الأمازيغية دون ربط ذلك العجز بكونها لغة "مقصوصة الجناحين". فالمساواة لا يكفي أن تكون مساواة شكلية تتمثل فقط في الحضور بجانب تلك اللغات المدرسية ضمن استمارة خاصة باللغات. بل ينبغي أن تكون فعلية ـ وليس شكلية ـ تتكافأ فيها فرص النجاح الممنوحة لكل تلك اللغات. وهكذا، لا يمكن أن تكون لهذه "المساواة" أية قيمة علمية وإحصائية إلا إذا استفادت الأمازيغية، على غرار تلك اللغات التي عوملت بـ"المساواة" معها في الاستمارة، بتدريسها الحقيقي والجدي للجميع لمدة عشرين سنة على الأقل، أي مدة التكوين التعليمي العادية التي يمكن بعدها للمتعلم أن يبحث عن شغل بالنظر إلى كفاءته التي اكتسبها خلال مراحل دراسته. وبجانبها تدريسها، يجب أن تكون لغة تستعمل إجبارا في إدارات الدولة ومؤسساتها وإلا لما كانت هناك فائدة من تدريسها. لأن هذا التدريس من المفترض أن يكون من أجل إعداد خريجين يشتغلون بهذه الإدارات والمؤسسات التي تستعمل هذه اللغة، تماما كما هو الوضع بالنسبة للغات الأخرى مثل العربية والفرنسية. بعد حوالي ثلاثين سنة من تعميم تدريس الأمازيغية أفقيا وعموديا، وإدماجها في مؤسسات الدولة ووثائقها الرسمية، واستعمالها في مباريات الشغل كمادة ضرورية في الاختبار، يمكن آنذاك المساواة بينها وبين باللغات المدرسية الأخرى في ما يتعلق بموضوع التمكن من الكفايات اللغوية. ونتائج مثل هذه الاستمارة التي حللناه ستكون، في هذه الحالة، ذات معنى وتحمل قيمة علمية وإحصائية، ويمكن الاعتماد عليها في اتخاذ قرارات تخص اللغات المدرسية بالمغرب.
إن ما فعله المجلس الأعلى، بتضمين الأمازيغية في هذه الاستمارة، لا يختلف عما فعله بالأمازيغية بموقعه على الأنترنيت: فجميع النصوص والوثائق منشورة بالعربية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية والأمازيغية. إذن هناك "مساواة تامة" بين هذه اللغات من حيث استعمالها على موقع المجلس. لكن السؤال: هل هناك عضو واحد (من غير ممثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية) بهذا المجلس يجيد قراءة وكتابة ما كتب بالأمازيغية في موقع هذه المؤسسة التي هو عضو فيها؟ وهذه هي الخدعة مرة أخرى: استعمال الأمازيغية بحرفها "تيفنياغ" على موقع مؤسسة رسمية يزوره الآلاف من مستعملي الأنترنيت، يعطي الانطباع، بل يقنع حتى المتشككين، بأن الأمازيغية تتمتع بنفس الوضع الذي تتمتع به اللغات المستعملة بالموقع، مع أن لا أحد من المنتمين لهذه المؤسسة، والمسؤولين بالتالي عن هذا الموقع، يعرف قراءة وكتابة ما يتضمنه موقعه من نصوص أمازيغية. إنها حقا مفارقة تسبب الدوار والغثيان.
إن ما تحتاجه الأمازيغية ليس أن تكتب بها نصوص تنشر بموقع المجلس الأعلى للتعليم، بل أن يكون أعضاء هذا المجلس، وكذلك زوار الموقع، قادرين على قراءة تلك النصوص. وهذه هي المساواة الحقيقية بينها وبين اللغات المدرسية التي وضعت بجانبها في الاستمارة وعلى موقع المجلس، هذه اللغات التي يقرأها ويكتبها أعضاء المجلس لأنهم درسوها في المدرسة عكس الأمازيغية التي أدرجوها في الاستمارة ضمن اللغات المدرسية مع أن الواقع خلاف ذلك، إذ هي محرومة فعلا ـ وليس شكلا ـ من هذا الحق الذي تتمتع به اللغات الأخرى بالمغرب. فالمساواة الحقيقية للأمازيغية مع اللغات المدرسية بالمغرب، ليست في التعامل معها بنفس الأسئلة في استمارة استطلاع للرأي، بل المساواة في الحقوق والحماية والدعم والاعتراف السياسي الرسمي. وبالنظر إلى الإقصاء الذي طال الأمازيغية لمدة طويلة، فهي لا تحتاج إلى "مساواة" بينها وبين اللغات المدرسية بالمغرب، بل تحتاج إلى تمييز إيجابي لإصلاح الأضرار التي عانت منها كثيرا وطويلا.
إن الذي يزيد من تخوفاتها على الأمازيغية مما يخطط له المجلس الأعلى للتعليم، هو ما سبق أن أعلن عنه هذا المجلس في بلاغ صحفي في 15 فبراير 2010، يرد فيه على ما كانت الحركة الأمازيغية، وخصوصا المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، قد نشرته بخصوص اعتزام المجلس اقتراح إلغاء تدريس الأمازيغية بحرفها تيفنياغ، حيث يقول البلاغ: "إن المجلس، بوصفه مؤسسة وطنية استشارية لا تقريرية، حريص على الاشتغال،سواء بالنسبة لهذا الموضوع أو لغيره، وفق منهجية متأنية ورصينة، مدعمةبالخبرة العلمية اللازمة". ما يضاعف إذن من تخوفاتنا هو أن هذه "الخبرة العلمية اللازمة"، التي يشير إليها بلاغ المجلس، ليست سوى نتائج مثل هذه الاستمارة التي هي فخ ينصب ـ وينصب على ـ للأمازيغية حتى يقال بأن قرارات المجلس، التي قد تكون في غير صالح الأمازيغية، بنيت على "خبرة علمية" واستطلاع لرأي "المهنيين" من خلال استمارة "علمية" أعطت نتائج "موضوعية" و"دقيقة".
وأخيرا، إذا كان المجلس قد وجه هذه الاستمارة إلى المفتشين التربويين بدعوى، كما يقول، "ترسيخ المقاربة التشاركية التي يعمل بها المجلس، القائمة على التشاور المستمر مع مختلف الفاعلين المعنيين"، فليعم أن الإشراك والاستشارة الحقيقيين للمفتشين التربويين لا يكونان بتمكين هؤلاء المفتشين من الإجابة على أسئلة الاستمارة التي أعدها المجلس دون إشراك أحد منهم، بل يكونان في إشراكهم في إعداد هذه الاستمارة نفسها وصياغة أسئلتها.