لمحة عن وظيفة فرقة المقنعين الامازيغية التي تحمي مدينة زوارة في ليبيا
يستيقظ رجال فرقة المقنعين الامازيغية صباح كل يوم ويرتدون ملابسهم الخاصة المتمثلة في زيّ عسكريّ كامل، وقناع يخفي معظم ملامح وجوههم فلا تظهر منها إلا العينين ، ويتوجهون إلى عملهم في مقر فرقة مكافحة الجريمة بمدينة زوارة الامازيغية غرب ليبيا، المعروفة باسم "فرقة المقنعين"
تكونت فرقة المقنعين الامازيغية ،والتي تسمى imssuten بالامازيغية ، بداية عام 2013 بتأييد من المجلس المحلي للمدينة ومؤسسات المجتمع المدني وشيوخ المدينة، ليتم ضمها لاحقاً كفرقة لمكافحة الجريمة إلى مركز البحث الجنائي ، لتصبح وظيفة الفرقة بعد ذلك وظيفة رسمية .
السبب الاساسي لاستخدم رجال الفرقة القناع هو لإخفاء شخصياتهم حفاظاً على السلامة والسرية التامة. وحماية عائلاتهم من انتقام العصابات والمجرمين ، حيت يمنع على أفراد الفرقة الخروج في أي مهمة دون ارتداء الزي الامني والقناع جزء منه .
ليس من السهل على ما يبدو الانضمام لفرقة المقنعين في زوارة، فالشروط هنا صارمة، "أهمها اللياقة البدنية والسيرة الحسنة وعدم التورط في أي أعمال مخالفة للقانون أو الشرع أوغير مقبولة اجتماعياً ". و هذه الشروط كل من يستوفيها يمكن ان يكون أحد المقنعين لحماية المدينة في ظل انهيار مؤسسات الدولة والفوضى والفراغ الأمني مند سقوط النظام الديكتاتوري .
قوانين داخلية صارمة
إحترام الوقت والنظام داخل المجموعة امر ضروري وقد تم سن قوانين داخلية صارمة لذلك، ومن يثبت تقصيره أو تورطه فيما يخالف القانون الداخلي والعام، هناك عقوبات تطبق عليه وتتراوح بين الخصم المالي والسجن وحتى الفصل من العمل، ويتم هذا تحت إشراف قائد الفرقة بعد التشاور مع الأعضاء.
منذ أن تكونت المجموعة يقول أ. ق. وهو أحد قادة الفرقة الذي طلب عدم ذكر اسمه "كان منصب الرئيس (آمر المجموعة) ليس ثابتاً ويتم تغييره كل فترة، والفرصة متاحة للجميع لترشيح أنفسهم، إلا أن أغلب الأعضاء كانوا يحاولون الابتعاد عن هذا المنصب نظراً للمسؤولية والضغوط الكثيرة التي يتعرض إليها القائد، فضلاً عن المواجهة والاصطدام مع أهالي المذنبين مباشرة، وهو ليس بالأمر السهل".
لم يكن المنضمون للمجموعة في البداية يعتقدون أن هذا الأمر سيدوم طويلاً. يروي أ.ق. كيف دخل عليهم زميله بعد فترة من عملهم في السنة الأولى، فوجدهم يعملون على توفير زي العمل لفصل الصيف، فسألهم مباشرة "هل نحن سنبقى حتى يحل الصيف؟"، فقد كانت فكرة هذه المجموعة مؤقتة في انتظار أن تتولى الدولة مهامها، ولكن الأمر طال ثلاث سنوات حتى أصبح أكثر جدية وتنظيماً، ولا يُعرف متى ستنتهي المهمة.
فرض الأمن في شوارع المدينة
اليوم اكتسبت الفرقة شعبية واسعة، خاصةً بعد أن زاد عدد أفرادها ليصبحو 132 فرداً يعملون بشكل منظم أكثر، ما مكنهم من بسط الأمن في شوارع المدينة والحد من عمليات السطو المسلح والسرقة وتجارة المخدرات منذ بداية عام 2013.
ومؤخراً سجلت الفرقة تقدماً في مكافحة الجريمة وتهريب البشر، حيث تمكنت من القبض على عدد من المجرمين والمهربين ونشر صورهم، إلا أن هناك من يهاجمهم بدعوى عدم امتلاكهم تصريحاً بالعمل من الجهات المسؤولة.
يقول أ. ق. "نحن لم نقم بأي عمل إلا بعد امتلاكنا لهذا التصريح من الداخلية، وأتذكر جيداً بأننا في نفس اليوم بدأنا في تنفيذ أول مهمة وهي القبض على مجموعة مجرمين تهجموا على مديرية الأمن بالمدينة وقاموا بإشعال النيران فيها، والمجال مفتوح للتأكد من الوزارة مباشرة".
الاعتماد على الامكانيات الذاتية
يقول أ.ق البالغ من العمر 36 سنة "نحن في البداية عملنا مع أجهزة الدولة في زوارة، وخاصة مركز الشرطة ومديرية الأمن، ولكن بعد فترة وجدنا الخلل والوساطة واضحة في هيكليتهم، فهناك بينهم من لايريد استقرار الأوضاع الأمنية حتى يتمكنوا من استغلال الفوضى لمصالحهم".
لهذا اتخذت الفرقة مقراً خاصاً لها في المدينة وجهزته بمكاتب إدارية، ليستقبلوا فيه شكاوي المواطنين وأماكن إيواء مجهزة للمساجين، ووضعوا هيكلية إدارية منظمة أهمها قسم تتبعه فرقة مختصة للتحري لا تقف عن العمل.
تتعامل الفرقة بما ينص عليه القانون الليبي فيما يتعلق بالعقوبات، إلا أنها في بعض الحالات تلجأ للعرف الامازيغي الاجتماعي لحل بعض القضايا، وخاصة فيما يتعلق بمن يقل عمرهم عن 18 سنة، حيث اعتبرت قيادة الفرقة حسب إسلام أن إحالتهم لسجون الأحداث قد تضيع مستقبلهم، "ولذلك عاقبناهم عرفياً ثم أفرجنا عنهم عندما انهوا مدة العقوبة" .
أعداء ومكائد ومؤامرات
حياة المقنعين ليست سهلة أبداً، فهم يتعرضون للمقاومة من قبل من تتعارض مصالحهم مع بسط الأمن وكثيراً ما كانت تحاك ضدهم "المؤامرات والمكائد" ، أما أصعب موقف تعرضوا له هو عندما واجهوا هجوماً مسلحاً على مقرهم عام 2013.
يروي أ.ق تفاصيل الحادثة "لم أكن أتوقع أنني سأعيش ليومنا هذا حينها، فقد كان ثاني أيام عيد الفطر ، وكنت جالساً مع رفاقي في بوابة المقر الأمامية لتباغتنا فجأة قذيفة آربي جي. في البداية لم يكن شيئاً مفهوماً بالنسبة لي وبعد دقائق وجدت نفسي أحمل سلاحي وأخذت مكاني وأنا أشاهد القذيفة الثانية تمر من أمامي لتسقط على بُعد أمتار، وفي لحظة أشاهد أحد رفاقي في الهواء من قوة الانفجار ليسقط أرضاً وتلتحق القذيفة الثالثة بأختيها، توقعنا وقتها أن المدينة تتعرض لهجوم من الخارج حسب الجهة التي تأتينا منها القذائف وهي الجنوب، فنحن لم نتلقَ في ذلك الوقت أي تهديدات مباشرة".
هذا الهجوم الذي أعقب جرح عدد من الأفراد اكتشف القائد أن من قام به مسلحون ضيق وجود الفرقة عليهم إذ كانوا يمارسون أعمالاً مخالفة للقانون، وتم القبض عليهم بعد أن وجدوهم مختبئين في مكان لا يبعد كثيراً عن مقر المقنعين، ووجهت إليهم تهمة الشروع في القتل.
تأييد كبير من سكان المدينة
بالإضافة إلى دعم المجلس البلدي ومؤسسات المجتمع المدني بزوارة لفرقة المقنعين، حظيت الفرقة بتأييد كبير من أهالي المدينة برز واضحاً يوم 27 تشرين أول/أكتوبر الماضي، حين خرج الأهالي في وقفة تأييد ومساندة لهم ولمطالبتهم بالاستمرار في عملهم، ولم تكن الاولى وخاصة بعد أن حققوا إنجازات على صعيد مكافحة الجريمة وضبط الامن في شوارع المدينة.