هولوكوست المغرب المعاصر في حق اللغة الأمازيغية (الجزء الأول) بقلم عمر البدراوي
بقلم عمر البدراوي . (الجزء الأول)
الهولوكوست مفهوم مرتبط أساسا بالمحرقة الجماعية التي نفذتها النازية على ما يناهز ستة ملايين يهودي، و الهولوكوست كلمة يونانية الأصل معناها التضحية بالنار، و تشير المصادر التاريخية إلى أن النازية نفذت الهولوكوست أيضا في الغجر و المعاقين ذهنيا و جسديا، و ذلك ظنا من النازيين أنهم الأرقى و غيرهم دوني. كانت هذه من أبشع المجازر التي عرفتها الإنسانية على مر تاريخها الطويل و المليء بالحروب المدمرة ثارة باسم الدين و ثارة بغية التوسع الاستعماري، و ما يصاحب هذا الأخير أيضا من إراقة للدماء و إبادة جزئية أو كلية لشعب من الشعوب، سواء كانت هذه الإبادة مادية جسدية، أو معنوية هوياتية، و هذه الأخيرة هي ما يسمى بالابتلاع اللغوي و الثقافي.
هولوكوست المغرب المعاصر في حق اللغة الأمازيغية (الجزء الأول)
و الابتلاع اللغوي و الثقافي، هي نظرية استعمارية رسم معالمها اللساني الفرنسي جون لويس كالفي في كتابه “اللسانيات و الاستعمار” الصادر بفرنسا سنة 1974 (أنظر التعليق أسفله)، و الكتاب بشكل عام يتناول بالمناقشة و التحليل دور الدراسات اللسانية للغات الشعوب المراد استعمارها، في فهم و تفكيك رموز هذه الشعوب، و من تم التفكير في آليات و طرق ابتلاعه لغويا و ثقافيا، و الابتلاع اللغوي و الثقافي نوعان: جزئي (اللغة و الثقافة الأمازيغية، الكاتالانية و الغجرية…) و كلي (حالة اللغة و الثقافة الفرعونية، الهنود الحمر و بعض الشعوب الافريقية..) و هذا الأخير هو ما أسميه بالهولوكوست، و يتم الابتلاع اللغوي عبر صيرورة من العمليات و المراحل التي تبدأ أولا بإيهام هذه الشعوب بدونيتها، و بدونية لغاتها و ثقافتها أمام لغة و ثقافة المستعمر بكسر الميم. يتولد الشعور بالنقص و الدونية لذي الشعب المستعمر بفتح الميم أمام قوة و جبروت سلطة المستعمر بكسر الميم، و تكون هذه هي نقطة انطلاق صيرورة إبادته ليست إبادة جسدية بقدر ما هي إبادة هوياتية عبر ابتلاعه لغويا و ثقافيا.
بعد الحرب العالمية الثانية التي حصدت ما لا يقل عن 72 مليون قتيل و ملايين الجرحى و المعطوبين، و التي عرفت مجازر على العديد من الأجناس و الأعراق التي عرفت إبادة جماعية مثل اليهود و الغجر…برزت منظمات و هيئات أممية عالمية تعنى بحقوق الإنسان و حقوق الشعوب الأصلية و الأقليات العرقية، و التزام معظم شعوب و دول العالم بالاتفاقيات و المواثيق الدولية، التي تجرم و تعاقب على كل اعتداء على الآخر، كل هذا تفاديا لمجزرة عالمية ثالثة، قد تكون الأخيرة في ظل التقدم التكنولوجي و تطور الأسلحة الحربية و تنوع خطورتها، بل و إن بعضها قادر على إنهاء تواجد كائن اسمه الإنسان. جشع و غطرسة المستعمر بكسر الميم، لم توقفه الاتفاقيات و المواثيق الدولية، فقد اشتغل مكر هذا الإنسان المستعمر بكسر الميم و أبدع طرقا تمكنه من بلوغ مآربه الاستعمارية، باستعماله لألطف النظريات الاستعمارية التي لا تتطلب أسلحة ممنوعة و لا تخلف قتلى و جرحى، إنها تحافظ على التواجد المادي للإنسان المستعمر بفتح الميم ، و تبيد التواجد المعنوي، أي التحول و الانتقال من الإبادة المادية الجسدية إلى الإبادة المعنوية الهوياتية.
مغربنا المعاصر، منذ الاستقلال الشكل، يعيش صيرورة الابتلاع اللغوي و الثقافي للغة و الثقافة الأمازيغية، الذي كانت تداعيات ظهير 16 ماي 1930 المنظم لسير العدالة في المناطق ذات الأعراف الأمازيغية و التي لا توجد بها محاكم شرعية، أحد أخطر الأوراق التي لعبها المخزن و الحركة اللوطنية، اللذان يعتبران فهمهما المغلوط لهذا الظهير المرجع الأساسي المؤطر لأي سياسة لغوية و ثقافية ينهجها الجهاز الحاكم بالمغرب.
و الظهير كما هو في الجريدة الرسمية بتوقيع و خاتم السلطان، ينص على أن القبائل الأمازيغية التي لم تكن في يوم من الأيام خاضعة لسلطة و نفوذ المخزن المركزي، ستبقى تسير نفسها بنفسها كما هو الحال قبل اخضاعها من قبل قوات الحماية الفرنسية، بعد حرب ضروس كلفت كلى الطرفين الكثير و الكثير، لكن زعماء الحركة اللاوطنية بعد إحساسهم بأنهم فقدوا الشرعية أمام الشعب و آماله التحررية، جعلوا من الظهير مطية لبلوغ أهدافهم الخسيسة، و الظهير كما هو في الجريدة الرسمية، ليس تركيبة كاملة بل لازالت غير كاملة إن لم يتم تزييف فحواه و تغليف زيفه بغلاف ديني و ذلك لما للدين من سلطة، ليصبح ظهير بربري في أدبياتهم، هدفه التفرقة بين الأمازيغ و العرب، بغية تنصير الأمازيغ و إخراجهم من الدين الإسلامي الذي يرى فيه زعماء الحركة اللاوطنية الموحد بين الأمازيغ و العرب و الجامع لهما، و إظهار الظهير على أنه مصدر فتنة و تفرقة إذ الأمازيغ ليسوا إلا فرع تائه يربطه إسلامه بالعرب في إطار ثنائية العروبة و الإسلام، التي تؤطر فكر و تصور زعماء الحركة اللاوطنية، لتتم أسطرة ظهير 16 ماي بتعبير محمد بودهان.
بعد تزييف و أسطرة ظهير 16 ماي من قبل الحركة اللاوطنية التي أعلن زعماءها علنا عداءهم للغة و الثقافة الأمازيغيتين و الشعب الأمازيغي، فقولة علال الفاسي بفرنسا يوم 21 ماي 1947: “إن الفرنسيين أصدقاؤنا و الأمازيغ أعداؤنا و إن الشعب المغربي الموريسكي الذي أخلص لفرنسا في أخطر أوقاتها، لن يغير موقفه منها في المستقبل و أنه يريد أن تكون فرنسا حليفته الدائمة”، و لما لم تكن إبادة هذا الشعب الأمازيغي ممكنة في ظل سياق حقوقي عالمي تجند المخزن و الحركة اللاوطنية لمحاربة كل ما له علاقة باللغة و الثقافة الأمازيغية و تحويلها إلى شيطان أحمر يهدد الوحدة المزعومة و الاستقرار الموهوم، يجب محاربتها، فاغتالوا و اعتقلوا رجالاتها و مناضليها، و عملوا بكد لزرع معاداتها في نفوس أبناءها و أذلوها شر ما إذلال، ثارة بأنفسهم و ثارة باستغلال أبناءها ممن نجحت عملية تدجينهم و ابتلاعهم حتى أصبحت في ذهن البعض من أبناءها شبحا مخيفا و جرما لا يغتفر له عقاب شديد و رمزا من رموز التخلف و الانحطاط يجب محاربتها و إبادتها كما يدعوا علال الفاسي لذلك في قوله: “… قلت إن مشكلة العربية في المغرب مزمنة، و أعني بذلك أن التعريب الذي بدأه أجدادنا لم يتم في هذا الوطن. فما يزال قسم من جبال المغرب لا يتكلم العربية و لا يتقن الكلام بها… “، و في المقابل صوروا له الوحدة المنشودة، و الأمن و الاستقرار و التقدم و الازدهار في العروبة التي كلما آمن بها اقترب من الخلاص.
و قد عمل الفكر الاستعماري المخزني المعاصر بكد، في تطبيق مختلف النظريات الاستعمارية، فعمل على احتقار تاريخ و ثقافة و لغة الشعب الأمازيغي، عملا بمقولة المؤرخ البريطاني هوبل: “إذا أردت أن تلغي شعبا ما، فابدأ بشل ذاكرته التاريخية، ثم ألغ ثقافته و تاريخه و اجعله يتبنى ثقافة غير ثقافته واخترع له تاريخا غير تاريخه و اجعله يتبناه و يردده، عندئذ ينسى هذا الشعب من هو؟ و ماذا كان؟ و بالتالي ينساه العالم.
لقد رأى الجهاز المخزني الحاكم في الأمازيغية لغة و ثقافة و حضارة و نمط عيش، خطرا حقيقيا يهدد مصالحهم الاستعمارية، لذلك فهم لم يذخروا أي جهد في إقبارها و إبادتها. و لما كانت السياسة اللغوية و الثقافية للمخزن المغربي مؤطرة بتصوره و فهمه الاستعماري لظهير 16 ماي 1930، فإن ما سيقوم به من سياسة لغوية و ثقافية لن يكون سوى محرقة للغة و الثقافة الأمازيغية، و سنحاول في مقال تالي التطرق لبعض أنواع المحارق التي نفذها و لازال ينفذها المخزن في حق الأمازيغية.