معركتنا معركة تحرر ديمقراطي لا معركة قانون تنظيمي فقط
بقلم : عبد الكريم اوبجا
لقد تلقت قواعد و قيادات الحركة الأمازيغية بالمغرب مشروعا القانونين التنظيميين للأمازيغية و للمجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية بالكثير من الاستياء و التذمر باعتبارهما لا يرقيان لتطلعاتها و انتظاراتها، لكن يحق لنا أن نتساءل عن أية انتظارات و تطلعات في ظل اختلال موازين القوى و ضعف الفعل الحركي الأمازيغي و نهجه لتكتيكات نضالية ملتوية و طغيان الأوهام المؤسساتية لدى قيادات الحركة مع غياب منظور استراتيجي تحرري ديمقراطي.
و إذا كان أغلب الفاعليين الأمازيغيين يرددون عبارة مفادها ضرورة تحويل شعار "الأمازيغية مِلك لكل المغاربة " إلى شعار "الأمازيغية مِلك لمن يعمل من أجلها"، فيجدر بنا كذلك التساؤل عما تمت مراكمته لصالح الأمازيغية منذ يوليوز 2011 تاريخ الترسيم المشوه و الملغوم للأمازيغية في دستور لا ديمقراطي اعتبرته قيادات الحركة الأمازيغية إذاك إنجازا عظيما و انتقلت بعد ذلك مباشرة إلى الشروع في وضع مشروع قانون تنظيمي للأمازيغية تترافع به لدى الفرق البرلمانية.
و ما يتم تغييبه دائما في أدبيات الحركة الأمازيغية في إطار محاولة تزييف وعي شباب الحركة و قواعدها هو الفهم العلمي لطبيعة السياسة اللغوية و الثقافية القائمة بالمغرب و الذي حاول المفكر و المناضل الأمازيغي التقدمي المختطف بوجمعة الهباز التأسيس له حين أكد أن اللغة ليست فقط وسيلة للتواصل بل هي كذلك وسيلة لأدلجة الطبقات والشعوب، فاللغة تصلح للهيمنة الإيديولوجية من أجل استغلال الإنسان للإنسان كما تصلح للتحرر الإيديولوجي من أجل ألا يستغل الإنسان إنسان أخر.
و قد خلص جيمس طوليفسون في كتابه "السياسة اللغوية خلفياتها و مقاصدها" إلى أن السياسة اللغوية هي آلية عنف و تحكم لاستمرار قوة الدولة و الحفاظ عليها و دعم موازين القوى القائمة، و تعتبر في نفس الوقت إحدى مجالات الصراع من أجل الوصول إلى السلطة و تحقيق الديمقراطية. فما يسمح باستخدام السياسة اللغوية كوسيلة لتكريس الإقصاء و اللامساواة هي البنيات اللاديمقراطية للدولة، و لا يمكن بذلك ضمان عدالة و إنصاف السياسات اللغوية بدون ديمقراطية صنع القرار.
لكن قيادات الحركة الأمازيغية كان خيارها دائما معاكسا لهذا الطرح، و كي لا نعود إلى الفترة ما بين 1967 و 2010 (انظر مقالنا بعنوان "الوضع الراهن للنضال من أجل الأمازيغية بالمغرب و مهام المناضلين الديمقراطيين الجذريين" في موقع الحوار المتمدن)، نكتفي بمرحلة 2011 إلى الآن.
فمع بروز حركة 20 فبراير المجيدة، اعتبر مطلب الأمازيغية مطلبا شعبيا تم إدراجه ضمن أرضية الحركة و أصبح يرفع في الشوارع و الساحات العمومية، إنها لحظة كادت أن تكون حاسمة لولا تخاذل مجموعة من القوى التي أبان التاريخ عن مدى انتهازيتها و اندماج مصالحها مع مصالح النظام القائم. لقد كان مطلب الأمازيغية مرهونا بمطلب المجلس التأسيسي و الدستور الديمقراطي و بسؤال السلطة و الثروة في البلاد، فلا أمازيغية بدون ديمقراطية حقيقية.
لكن قيادات الحركة الأمازيغية استعاضت عن التعبئة الجماهيرية و النضال المباشر من داخل حركة 20 فبراير و تنسيقيات "تاوادا" بطريق ملتوي تمثل في حضورها في لقاءات "لجنة المانوني"، مستشار الملك، لتقديم مقترحاتها حول الأمازيغية في "الدستور الجديد"، دون حتى استشارة قواعدها و حسم القرار ديمقراطيا، فكان المنتوج مشوها حيث تم ترسيم الأمازيغية في درجة ثانية مع اشتراط تفعيلها بإصدار قانون تنظيمي.
و ابتلعت بذلك أغلب مكونات الحركة الأمازيغية الطعم، فواصلت تكتيكاتها الترافعية و الملتوية و اتبعت أوهامها المؤسساتية، حيث أصبحت تطالب بقانون تنظيمي للأمازيغية بل منها من شرع في إعداد مشروع قانون تنظيمي، بتمويل من الاتحاد الأوربي، و الترافع به لدى أحزاب الأغلبية و "المعارضة" و الفرق البرلمانية، لكن كل تلك "المجهودات" باءت بالفشل بعد الرفض الذي جوبه به المشروع من طرف الدولة.
فعوض أن تقوم قيادات الحركة بتقييم موضوعي و نقد ذاتي لخطواتها و استراتيجيتها النضالية، اختارت سياسة الهروب إلى الأمام بالغوص في المزيد من المشاريع الممولة من السفارات الأجنبية تروم المزيد من الترافع النخبوي، عوض النضال الجماهيري المباشر، لإدماج الأمازيغية في السياسات العمومية، في ظل وضع سياسي يتسم بالهجوم الكاسح للدولة المغربية على الحقوق و الحريات و بتراجعات خطيرة عن المكتسبات (تدريس الأمازيغية نموذجا) و بتربع القوى المحافظة و المعادية تاريخيا للأمازيغية على رأس حكومة الواجهة.
و بعد "خمس سنوات عجاف" و قبيل انتهاء ولايتها التشريعية، أصدرت الحكومة مشروعا القانونين التنظيميين للأمازيغية و للمجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية الذين سال بسببهما مداد الفاعلين الأمازيغيين و التنظيمات الأمازيغية حول سياق و مضمون و شكل مشروعي القانونين عبر مقالات و بلاغات و بيانات و تصريحات تنديدية اعتبرت أن مبادرة الحكومة تنم عن "قصور حكومي في استيعاب أولويات اللحظة السياسية التي يعيشها المغرب"، و لا تعبر عن "أفق سياسي إيجابي تجاه تفعيل مضامين الفصل 5 من الدستور" و عن "إرادة سياسية حقيقية في التنزيل الديمقراطي لدستور 2011"، و تبين عن "ردة فاضحة عن روح وسياق المصالحة الذي بدأ سنة 2001 والمتضمن في خطاب أجدير وظهير تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ودستور 2011 ".
و تنم العبارات المستعملة في الانتقادات السالفة الذكر عن ما يخالج قيادات الحركة الأمازيغية من روح المساومة المقيتة و التوافقات المشبوهة و المصالحة الوهمية و غياب المسافة النقدية التي تدعيها، بالرغم أنها تتوهم و تريد أن تقنعنا بشكل زائف بأنها ترسل رسائل مشفرة لمن يهمه الأمر.
هذا فيما يخص سياق مشروعي القانونين التنظيمين، أما عن مضمونهما فقد أسفرا "عن نتيجة تشريعية كارثية تنقلب على مكتسبات الأمازيغية المؤسساتية والعلمية والتربوية" و ذلك بالتأكيد على "التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة" عوض اللغة الأمازيغية، و "لم يؤكد النص على أن الكتابة ستكون بحرف تيفيناغ"، كما تم استعمال "مفردات وتعابير ذات طابع اختياري و غير ملزمة قانونا" و "بكيفية متدرجة / 15 سنة" ، مع "استدعاء المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي و تغييب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتذويبه داخل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية" مما "سيعيد نقاش الأمازيغية إلى نقطة الصفر".
و من حيث الشكل، فقد تم التركيز على تسجيل غياب "المقاربة التشاركية" في إعداد مشروعي القانونين الذين لم ينبثقا عن "رؤية استراتيجة لتدبير ملف الأمازيغية" لدى الحكومة و الدولة. و هنا نود توضيح أن الرؤية الإستراتيجية التي تمتلكها و تجسدها الدولة المغربية عمليا و بشكل ممنهج في إطار سياستها اللغوية هي إستراتيجية التهميش و الإقصاء و التمييز ضد الأمازيغية.
أما عن المقاربة التشاركية فلدينا فيها نظر، حيث نلحظ مواقف عجيبة و غريبة لدى بعض القيادات الأمازيغية و الغرض منها تزييف وعي قواعد و شباب الحركة الأمازيغية. فهناك من يرى أنه "لولا تدخّل القصر وموافقته على تكوين لجنة ملكية لوضع النسخة الثانية من مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي سبق أن تكلفت وزارة الثقافة بإعداده منذ سنتين في سرّية تامة لكنّا أمام نص قانوني أقل ما يمكن أن نقوله عنه هو أنه نص يفتقد إلى روح الدستور". و ينظر البعض إلى الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة على أنه "جاء حاسما" بجعله القانونين التنظيميين "على رأس أولويات الدورة التشريعية الحالية" ودعوته البرلمان والحكومة إلى "التعاطي السريع والجدي معها" و أنها "رسالة واضحة لهم وغير مشفرة".
فيما ذهب بعضهم بعيدا حيث يرى أن ملف الأمازيغية "ليس شأنا حكوميا" فقد كان دائما "شأنا ملكيا" و عليه أن يبقى كذلك باعتباره "ملفا حساسا تلزمه توازنات". و دعى البعض الآخر إلى "نسج تحالف قوي مبني على الثقة وعلى معادلة رابح رابح بين المؤسسة الملكية والتنظيمات الأمازيغية". إنه منطق قد يبدو للوهلة الأولى عجيبا و غريبا إذ أن وجه الغرابة و العجب في ذلك هو أنها نفسها القيادات التي ما انفكت تدعو إلى فصل السلط و "الملكية البرلمانية"، لكن الجديد في الأمر هو أن ما كانت تضمره في السر سابقا أصبحت الآن تطرحه في العلن.
إن معركتنا أوسع و أشمل من أن يتم اختزالها في قانون تنظيمي، إنها معركة التحرر الديمقراطي من نير الاستبداد و الفساد نطالب من خلالها بالسحب الفوري لمشروعي القانونين التنظيميين و تعديل الفصل الخامس من الدستور بما يضمن سياسة لغوية و ثقافية منصفة و عادلة و حماية قانونية كاملة وترسيم لامشروط للأمازيغية في دستور شعبي ديمقراطي وعلماني يضعه مجلس تأسيسي يؤسس لنظام ديمقراطي حقيقي بالمغرب. و ليس هناك غير طريق النضال الجماهيري المباشر و تعديل موازين القوى عبر رص الصفوف و توحيد الجبهات، فالمزيد من التكتيكات الملتوية و الترافع النخبوي و الأوهام المؤسساتية ستعيد نضال شعبنا عقودا من الزمن إلى الوراء.
الهوامش:
سعيد باجي، مختطف بدون عنوان، 2006.
لحسن زروال، "قراءة في المشروع اللغوي للمفكر واللساني الأمازيغي بوجمعة هباز".
جيمس طوليفسون، السياسة اللغوية خلفياتها و مقاصدها، ترجمة محمد خطابي، 2007.
عبد السلام خلفي، "مشروعا القانونين التنظيميين أو المحاولة الأخيرة لعدم ترسيم اللغة الأمازيغية".
عبد الله بادو، "الأمازيغية وداء فقدان الجرأة السياسية المكتسبة".
عبد الله بادو، "مشروع بنكيران بشأن الأمازيغية دون مستوى تطلعاتنا"، تصريح مكتوب لموقع "ممكن".
رشيد الحاحي، "رسالة إلى أمازيغ لجنة القانون التنظيمي لمجلس اللغات والثقافة"، بتاريخ 09 غشت 2016.
رشيد الحاحي، "بنكيران وخروز يقودان الانقلاب على الأمازيغية".
التيجاني الهمزاوي، "الأمازيغية في حَـيْـص بَـيـْص".
محمد أمدجار، "مشاريع قوانين تنظيمية لإنصاف الامازيغية أم استدعاء قانوني لسنوات الجمر و الرصاص؟"
انغير بوبكر، "الأمازيغ المغاربة: إلى أين ؟"
احمد عصيد، تصريح مرئي لموقعي "سوس 24" و "الزنقة 20".
احمد ارحموش، تصريح مرئي لموقع "أنوار بريس".
بيان المكتب التنفيذي لأزطا أمازيغ بتاريخ 29 يوليوز 2016.
بيان المجلس الوطني لأزطا أمازيغ بتاريخ 14 غشت 2016.
بيان المجلس الفدرالي لمنظمة تاماينوت بتاريخ 06 غشت 2016.
بيان تنسيقية المبادرة المدنية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بشأن مسودة مشروع القانون التنظيمي رقم 26.16.
ملتمس 300 فاعل مدني مغربي إلى الملك لمراجعة فصول مشروعي القانونين رقم 16 – 26 و رقم 16 – 04، بتاريخ 21 غشت 2016.