الشعار التلاثي الأمازيغي”أكال، أفگان، أوال“ شعار للإنسانية جمعاء...! بقلم : عبدالرحيم يوبا أمدجار
بقلم : عبدالرحيم يوبا أمدجار
منْ منا لا يعرف رمز إِيمازيغْنْ الذي هو رفع ثلاثة أصابع من اليد. ومنْ منا لايعرف أن هذه الأصابع الثلاث هي تعبير أو اصطلاح لعناصر القضية الأمازيغية الأساسية التي تدافع وترافع عنها الحركة الأمازيغية باستمرار.
والتي هي ”أكال، أفگان، أوال“، وتعني في اللغة العربية على التوالي ”الأرض، الإنسان، اللغة“. لكن دعونا نفسر هذا الرمز الثلاثي المعبر عن شعار الرجال الأحرار(ئمازيغْنْ) تفسيرا دقيقا معمقا.
عبدالرحيم يوبا أمدجار |
أَكَالْ:
تعني الأرض la Terre التي نعيش فوقها نغدو و نروح. وفيها نعمل، عليها نسكن. فهي كل شيء بالنسبة لنا كإنسان يرغب بصفة دائمة في استمرار حياته.
الأرض التي دارت ولا تزال تدور حولها الصراعات السياسية (الحروب، الإستعمار، الغزو، التحرير...) والنقاشات الفكرية والعلمية (دراسات علمية، اجتماعية واقتصادية ) حيت بين مجموعة من العلماء الجيولوجيين أن الأرض هي الضامن الوحيد للإستقرار البشري. وهذا من خلال مجموعة من الأنشطة التي لها علاقة بالأرض مباشرة، كالفلاحة و الصناعة. والتي من شأنها صناعة وخلق الثروة la création de la richesse (سلع و أموال) بتعبير رجال الإقتصاد les économistes الذين نذكر منهم على سبيل المثال الفيزيوقراطيين les physiocates الذين يعتبرون الأرض مصدرا وحيدا وأوحد للثروة la richesse .
من أجل التعريف أكثر بأهمية الأرض في الوجدان الإنساني عموما نستعين بمفهوم ”الملكية la propriété “ بكسر الميم أو ”التملك“. فحينما تكون مساحة أرضية في ملكية عائلة ما فإن هذه الأخيرة ستشعر بنوع من الطمأنينة في أرضها وهذا ما سيجعلها مستقرة اجتماعيا واقتصاديا في تلك الرقعة الأرضية.
و لن نبالغ كذلك في إعطاء كل تلك الأهمية الكبرى لـــ "الأرض" وقد اعتبرها القانون الدولي عنصرا أساسيا من بين العناصر التلاثة المشكلة للدولة les éléments constitutifs de l'État (الشعب، الإقليم و السلطة السياسية).
أَفْگَانْ:
تعني الإنسان L'homme، الذي هو موضوع الجدل مند وجد في هذا الكون. إنه العنصر التاني في شعار الحراك الأمازيغي عبر العالم.
في تبياننا لمكانة ”أفگان“ في الوجدان البشري ذاته سنعتمد معيارين أساسيين. الأول متعلق بما هو فكري، والثاني متعلق بما هو حقوقي.
لو تأملنا تاريخ الإنسان بصفة عامة و تجولنا بين صفحاته المليئة بالأحدات لوجدناه عبارة عن مسلسل طويل لمجموعة من التورات الفكرية البشرية. فالإنسان مند الوهلة الأولى لوجوده على كوكب الأرض لم يكن يرضى بمستواه المعيشي ووضعيته الإجتماعية التي كان يعيشها. وهذا ما جعله يستأنف مهمة التفكير والتأمل بما يدور حوله من مظاهر طبيعية، محاولا كسب منافعها و تجنب أضرارها. وهذا من أجل تحسين ذلك المستوى والرقي بتلك الوضعية.
وقد استمر على هذا النحو فراكم مجموعة من الحضارات التي تخدمه وتعود عليه بالنفع، فآمن بآلهةٍ ودياناتٍ مختلفة، و مارس فعل التفلسُف والفلسفة، و أنتج العلوم الكثيرة... إلخ.
لقد احتلت مسألة الحقوق حيزا كبيرا في الفكر الإنساني وكانت في صلب اهتماماته. فبدأ هذا الإهتمام بحق الإنسان كإنسان متميز عن باقي المخلوقات في الكون مع المعتقدات والديانات، التي قد تكون وحيا من عند الخالق أو يضعها الإنسان بنفسه. يعطيها نوعا من القداسة والطاعة، وتشتمل(المعتقدات) على مجموعة من الضوابط والقواعد التي تنظم سلوك الإنسان في علاقته بالإله أو بأفراد عشيرته، وتحفظ له بعض الحقوق الطبيعية والأساسية.
ثم تأتي الفلسفة لتناقش مسألة الطبيعة والإنسان(حالة الطبيعة) مع كل من جون جاك روسو، مونتيسكيو وجون لوك، وقبل ذلك مع أفلاطون وغيره. هذا التراكم الفكري الفلسفي سينتهى أخيرا بوضع أول وثيقة لحقوق الإنسان سنة 1215 بإنگلترا تحت اسم ”ماجنا كارتا“، التي صارت مستندا و مرجعا لغالبية الإتفاقيات التي تعنى بشأن حقوق الإنسان. ونذكر منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1948.
نخلص إلى أن كل هذه التورات التي مرت عبر التاريخ الإنساني لم تكن إلا من أجل تحسين ضروف الحياة البشرية من خلال تمتيع هذا الإنسان بكافة حقوقه.
أَوَالْ:
إنها اللغة la langue، وهي مجموعة من الإشارات و الرموز، تشكِّـل لنا أداة من أدوات التواصل والتفاهم بين الناس في مجتمع ما. نترك هذا التعريف السطحي و العامـّي جانباً، كما لن نستحضر أيّة دراسة علمية لسانية في معالجتنا للمسألة اللُّغوية وتحليلنا لعنصر اللغة، الذي يحتل مكانة كبيرة في قضية الأمازيغ الإنسانية. بل أننا سنتناولها(اللغة) من خلال فلسفتها وعلاقتها بالفكر والوجدان.
طرح العديد من فلاسفة اليونان القديمة تساؤلات حول العلاقة التي ذكرناها سالفا ألا وهي ”علاقة اللغة بالفكر، والتعبير عن مهارات وخبرات الدهن البشري“. و يرى كانط Kant أنها نُشِئت عبر التفكير العقلاني والمنطقي. في حين يعتبر مجموعة من فلاسفة اللغة المعاصرين مثل نوعام تشومسكي أن الفلسفة في حد ذاتها هي دراسةٌ للغة، وأكد أن اللغة هي المسؤولة عن صياغة الأفكار لدى مُتكلِّميها. في ذات السياق يقول الكاتب اللِّيبي المرحوم سعيد سيفاو المحروق بأن « اللغة هي روح الجماعة الناطقة بها.وعندما تموت هذه الروح، تتحول تلك الجماعة إلى قطيع بشري لا هوية له، لا يلبث أن يتوارى عن الأنظار ذائبا في ثقافة الآخرين ».
في فكرنا المتميز بالبساطة التامَّة يمككنا أن نضع اللغة موضعاً بالغ الأهمية، فهي لا تعبر عن هوية الشخص الثقافية بقدر ما تعبر عن كل مايربط الإنسان بإنسانيته من فكر،فلسفة، دين ،قانون، حق وكل ما يصدر عن هذا الإنسان من سلوك. وفي معرض حديثنا عن "السلوكات البشرية" فاللغة هي المعيار الذي نعبر به عن مدى قَبولنا أو رفضنا لكل مايصدر عن الغير من تصرفات وهي الوسيلة التي نمارس بها التحكيم وإصدار أحكامنا تجاهها وبها إبداء رغباتنا وحاجياتنا المختلفة في مجتمع تسوده الحاجة والعلاقات الپرگْماتية.
أوَليس الشعار الثلاثي ”أكَالْ، أفْگَانْ، أوالْ“ شعار للإنسانية جمعاء؟