من التاريخ: عندما ندم السلطان الأمازيغي يعقوب المنصور عن إدخاله العرب للمغرب وقال قولته الشهيرة
في حدود منتصف القرن الحادي عشر ميلادي 1050م، بعد مرور أزيد من 400 سنة على إسلام الأمازيغ، شهدت شمال افريقا هجوم أعرابي بدوي أدخل البلاد في خراب وفوضى عارمة نتيجة زحف قبائل بنو هلال البدوية التي طردها الفاطميون من مصر وارسلوها في اتجاه المغرب للإنتقام من الدولة الزيرية الصنهاجية التي استقلت عن الفاطميين، فخربوا القيروان ونهبوا كل ما قدروا عليه وعاتوا في البلاد فسادا .
وقد برع ابن خلدون في وصف خصال هؤلاء الأعراب و أفعالهم الهمجية حيث قال: "ولم يبق اٍلا شرهم ممتدا وفسادهم على مر الزمان والدهور" ...الخ، كما شنّع الشاعر ( ابن رشيق المسيلي 456 هجري) في ذكر مثالبهم، ولم يوقف خرابهم و زحفهم سوى جيش القائد الامازيغي (عبد الله بن عبد المؤمن ) الموحدي عندما هزمهم وقهرهم وأذلهم في ( واقعة سطيف) الجزائر حاليا، و أوقف طغيانهم .
وفي القرن الحادي عشر الميلادي نقل السلطان الامازيغي يعقوب المنصور الموحدي بعضا منهم وأسكنهم في سهول تامسنا بالمغرب كعمل إنساني لاغير بعدما علم بمحنتهم وتشردهم، لكنه ندم على ذلك ندما شديدا بعد سنوات وقال قولته الشهرة في كتب التاريخ لما أشرف على الموت:
"ما ندمت على شيء فعلته في الخلافة إلا على ثلاث وددت أني لم أفعلها: الأولى إدخال العرب من إفريقيا إلى المغرب، مع أني أعلم أنهم أهل فساد، والثانية بناء رباط الفتح أنفقت فيه بيت المال وهو بعد لا يعمر، والثالثة إطلاق أسارى الأرك ولا بد لهم أن يطلبوا بثأرهم. " [مقتطف من كتاب الإستقصا ء للناصري ج 3 ].
ويتضح جليا من كلام الخليفة الامازيغي يعقوب المنصور ان سبب ندمه الشديد عن ادخاله عرب بنو هلال للمغرب هو لكونهم أهل فساد، كما قال ذلك حرفيا، ولا فائدة تُرتجى منهم ،حيث لم يرى منهم غير الشر والسوء والنهب والخراب. وبذلك أعترف قٌبيل موته بأيام بأن إدخاله عرب بنو هلال للمغرب ومنهحم أراضي من أكبر الأخطاء الفادحة التي إرتكبها في حياته فعبر عن نذمه الشديد بعد ذلك.
ويعتبر السلطان الامازيغي يعقوب المنصور ثالث خلفاء الموحدين الامازيغ الذين حكموا بلاد المغرب والاندلس مند القرن العاشر الميلادي، وقد حكم من 1184 حتى وفاته في مراكش عام 1199 وهو بطل معركة الأرك الشهيرة في كتب التاريخ، وكان محبا لنصرة المسلمين، وعرف بتسامحه الكبير وكان يطلق سراح الاسرى تلقائيا.
تميز عهده بالمشاريع الكبيرة. وهو من أسس مدينة الرباط، وبنى مسجد الكتبية الشهير في مراكش، وأزمع في بناء أكبر مسجد بالعالم في عصره (مسجد حسان) في الرباط، إلا أن المنية وافته والإنشاء في بداياته تاركا صومعة حسان شاهدة على ذلك. كما بنى مسجد سلا الكبير، ومدرسته الجوفية، والجامع الأعظم بقصبة مراكش، وأقام مئذنة المسجد الجامع في أشبيلية -المعروفة اليوم بـ "الخيرالدا"- بعد عودته منتصرا من معركة الأرك الشهيرة.
كما احتضن ابن رشد خلال محنته وحماه. وقد نال تبجيل واحترام كل المؤرخين المسلمين في عصره بعدما هزم ألفونسو الثامن ملك قشتالة في معركة الأرك في 19 يوليو 1195م. بعد هذا النصر اتخذ لقب "المنصور بالله".