معركة تازيزاوت بقيادة البطل الأمازيغي أمهاوش المكي .. ملحمة تاريخية كبرى تم طمسها في كتب التاريخ المدرسية
معركة تازيزاوت هي معركة كبيرة خاضها المقاومين الأمازيغ بقيادة البطل الأمازيغي أمهاوش المكي ضد جيش الاستعمار الفرنسي، بالأطلس الكبير الشرقي سنة 1932.
وهي معركة لا تقل أهمية وحجما عن معركة الهري بالأطلس المتوسط، ومعركة أنوال بالريف، ومعركة بوكافر بالجنوب الشرقي؛ إلا أن المقررات الدراسية، في مادة التاريخ، لم تنصفها ولم تمط عنها اللثام قصد تسليط الضوء عليها، حتى يتأتى للمغاربة عامة، والتلاميذ بشكل خاص، معرفة تاريخ بلدهم الحقيقي، لكن جهات رسمية لا تريد أن يعلم المغاربة عامة بوجود معركة خالدى أخرى خاضها الامازيغ ، وكبّدوا خلالها المستعمر الفرنسي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في ثلاثينيات القرن الماضي.
وقد سقط خلال المعركة عشرات الجنود والضباط الفرنسيين و تلقى الاستعمار خسائر كبيرة في العتاد وهو ما دفع بالاستعمار الفرنسي للأنتقام الأهوج فأرتكب جرائم حرب في حق السكان عبر القصف بالطائرات وإلقاء القنابل على المنازل والتجمعات والاسواق والحصار والتجويع فأزهق أرواح العديد من الشهداء ألامازيغ، من السكان الابرياء العزل و من المقاومين أيضا، إلى درجة أن شيخا معمّرا من أنفكو بإقليم ميدلت قال في شهادته إنه كانت هناك جداول من الدماء تسيل، نظرا إلى المجزرة التي ارتكبها (أَرُومِّي ) حسب تعبيره، أي النصراني، في حق السكان الابرياء الغزل والمقاومين الرافضين للاستعمار الفرنسي.
وفي الوقت الذي سمع فيه المغاربة نسبيا في ما مضى، سواء في الكتب المدرسية أو في الشارع أو من خلال الإعلام العمومي أو عبر الصحف ، عن المعارك الكبرى التي خاضها الامازيغ مثل معركة انوال والهري وبوغافر .. وعن زعماء المقاومة المسلحة الأمازيغ الكبار أمثال موحى أوحمو الزاياني ومحمد بن عبد الكريم الخطابي وعسو أوباسلام وغيرهم من المقاومين الأمازيغ الذين دافعوا بالغالي والنفيس عن استقلال البلد بكل استماتة ونكران ذات، وبكل ما أوتوا من قوة وبوسائل لوجسيتيكية تقليدية حينها.
إلا أن هناك مقاوماَ كبيراً آخر أُسدل عنه ستار الترك والهجران،والتجاهل والنكران الرسمي من طرف الدولة المخزنية، على الرغم من دوره الكبير في الدفاع عن استقلال الوطن؛ إنه المقاوم الأمازيغي الكبير أمهاوش المكي، احد المقاومين الأمازيغ الكبار الذي يستحق أن يرد له الاعتبار ولمنطقته التي كانت مسرحا معركة تازيزاوت ، نظرا إلى شجاعته حينها فقاد المقاومين ووقف بقوة ضد التوغل الفرنسي في منطقة الاطلس الكبير لإخضاع الأمازيغ الرافضين للوجود الاستعماري ولسياسة الخونة المتواطئين معه للتهدئة والخداع.
المقاوم الأمازيغي الكبير المكي أمهاوش |
وبما أن الدراسات والأبحاث التي أنجزت حول الموضوع عينه قليلة ونادرة، فإن بحثا أعده الطالب الجامعي المهدي منهو، تقدم به لنيل شهادة الإجازة في التاريخ منذ سنة 2000، عنونه بـ"مقاومة قبائل تونفيت للاحتلال الفرنسي من خلال نموذج معركة تازيزاوت"، أسدل الستار عن هذه الملحمة؛ فقد جاء في البحث سالف الذكر أن "تازيزوت تقع في منطقة جبلية كثيرة الصخور وغابات كثيفة معقدة وأدغال مشبكة، وتمتاز بوعورة التضاريس، وصعوبة اختراق وشعاب عميقة ذات حفر بعيد قعرها.
تمتد بين قصر تغدوين وأيت حديدو جنوبا وتزي نغيل وتونفيت وسيدي يحيى أيوسف شمالا، وترغيست وأنفكو شرقا وأيت سيدي حسين غربا، وسميت بهذا الاسم نتيجة اخضرارها".
وزاد منهو في بحثه: "جبل تازيزاوتيعد الحصن المحصن الذي آوى إليه المجاهدون وهم يحملون معهم عتادهم التقليدي والمتواضع والعتيق، وإيمانهم القوي بعدالة قضيتهم. وقد سهلت هذه الطبيعة الوعرة التصدي لهجمات جيش العدو والتسلل إلى مواقعه، وتوجيه ضربات موجعة له، والإيقاع به في كمائن لا يعرف عنها شيئا".
وعلى الرغم من المقاومة الشرسة التي أبداها المجاهدون، فإن معركة تازيزاوت، وفق المصدر نفسه، "خلفت خسائر كبيرة في صفوف المجاهدين، والتي لا يمكن تقييمها، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار عدم انتظام أنماط القبائل الرحالية أو نصف الرحالية بين الدور والأزغار (...) إذ تمكنت القوات الفرنسية من تطويق اتحادية أيت يحيى في صيف 1932، التي كانت تملك 3000 خيمة وتؤوي 20000 نفس. واستطاع ليوطي تطويقها حتى إن أهلها هلكوا جوعا وعطشا ومرضا، وانقرضت بأكملها، وهو الوضع الذي خلف الأرامل واليتامى".
ولفهم تاريخ المعركة أكثر، تم الاستغانة بحث الطالب المهدي منهو سالف ذكره، نظرا لأهميته وتوافر معطيات تاريخية دقيقة به؛ كما تم إستقاء، آراء وشهادة باحثين في التاريخ والتراث، خصوصا الاستاذين محمد زروال وعلي أوعبيشة، بصفتهما أستاذين مهتمين بالتاريخ .
ووفق شهادة زروال، فإن "معركة تازيزاوت، التي شهدتها جبال الأطلس الكبير الشرقي بين القبائل الأمازيغية والقوات الفرنسية ومجنديها سنة 1932م، تعد من أشد المعارك في سجل عملية التوغل الفرنسي بجبال الأطلس. وقد شاركت في هذه المعركة قبائل عديدة، فبالإضافة إلى قبيلة أيت يحيى التي وقعت في مجال نفوذها، شاركت قبائل أيت سخمان وإشقيرن وأيت إيحاند وزيان وأيت إسحاق بقيادة سيدي المكي أمهاوش وإخوته".
وزاد زروال، في تصريحه، أن "المقاومين، على الرغم من ضعف إمكاناتهم، تحملوا حصار الفرنسيين لهم في منطقة جبلية وعرة ودافعوا بشراسة وحفروا المغارات وصبروا على الجوع والعطش، ورفضوا الاستسلام.
وشدد الباحث نفسه على أنه "بالرغم من توالي الهجومات من جهة، ومحاولات استمالة الزعماء من جهة أخرى، فإن تغيير الفرنسيين لخطة الهجوم واستعمال الطائرات وطول مدة الحصار كلها عوامل فرضت على سيدي المكي أمهاوش الاستسلام في النهاية".
بالرغم من مكانة هذه المعركة في خريطة المواجهات بين المغاربة والفرنسيين إبان عهد الحماية، يتابع الباحث في التاريخ والتراث، فـ"إنها لم تنل ما يكفي من التعريف والتثمين، سواء في المقررات الدراسية المغربية أو المشهد الإعلامي، وبالمقابل يحتفل أهالي الشهداء من مختلف المناطق بذكرى هذه المعركة كل سنة منذ عقود، ومؤخرا دخلت بعض الجمعيات على الخط لتجويد هذا الاحتفال، وإعطائه بعدا وطنيا وعلميا، إلا أن هناك من يعرقل دائما مثل هذه المبادرات الجادة".
ذكرى المعركة لازال يخلدها سكان المنطقة في تجاهل تام للجهات الرسمية المعنية بتاريخ الوطن |
ومن جهته، قال علي أوعبيشة إن "معركة تازيزاوت مثّلت ملحمة سياسية للدفاع عن الحرية والأرض، فيها أظهر المقاومون شراسة حربية وبسالة بطولية، ولو بأسلحة تقليدية بسيطة أمام عنف السلام المدفعي الفرنسي والقصف الجوي. لذلك، تظلّ المعركةُ سياسية بالأساس قبل أي منظور ديني مفسّر (مبدأ الجهاد)، إذ بالرغم من الطابع اللاهوتي والروحاني الذي أضفاه تيار إمهياوش على المعركة، فإن سياقها كان محايثا يخص بالأساس الذود عن الأرض والخيرات والدفاع عن مبدأ السيادة".
وخير دليل على ذلك، يردف أوعبيشة في تصريحه، "التوتّر الذي ظهر أثناء المعركة بين القيادة الروحية في شخص المكي أمهاوش والقيادة السياسية لمهندسي الحرب، هذا التوتّر الذي سينكشف بعد ذلك في قصيدة الشاعرة الأمازيغية " لالّة تاوكرات" التي حمّلت فيها مسؤولية الاستسلام (أو الهزيمة) للقيادة الروحية".
واستطرد الباحث نفسه بالقول: "إلى حد الآن، يشكّل تخليد القبائل للمعركة الصيغة الوحيدة للاعتراف بدور تازيزوات في مقاومة المستعمر، في غياب تامّ لأي اعتراف مؤسساتي؛ لأن الكتابة التاريخية الرسمية قد صمتت عن ذكر هذه المعركة وتجنّبت الإشارة إليها في سرديتها التعليمية للتاريخ، حيث إن غالبية المغاربة يجهلون هذه المعركة جملة وتفصيلا.
كما أن أرض المعركة، التي لا تزال إلى اليوم تشكّل متحفا طبيعيا للمقاومة، لم تثمنهُ المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بوصفه ذاكرة أو أثرا للماضي البطولي للمغاربة".
وإن هذا الصمت المؤسساتي والرسمي يعود، وفق أوعبيشة، إلى شرطين مركزيين؛ يتمثّل الأول في كون السلطة السياسية القائمة تحتفظ بجروح نرجسية تجاه كلّ ما يمتّ إلى الزاوية الدلائية وبقاياها بصلة. ومن ثمّ، صمتت عن تازيزاوت كي تطمس أيّ نافذة يمكن أن يطلّ عليها التاريخ الدلائي.
ويتجلى الشرط الثاني في التهميش المنهجي للقبائل التي قاومت المستعمر والمخزن المركزي معا"، وفق تعبير الباحث علي أوعبيشة، الذي يشدد على أن "كل ما يرتبط بهذه القبائل، سواء كان تاريخيا أو أدبيا أو فنيا، تم طمسُه وحجبهُ".