هكذا وصفت اليونيسكو الكسكس الأمازيغي في تقريرها الرسمي بعد ضمه لقائمة التراث العالمي اللامادي .. وصف أسطوري
أقرّت منظمة اليونيسكو في تقريرها الرسمي الصادر اليوم بالاصل الامازيغي لطبق الكسكس، كما أوردت ابعاده الثقافية والحضارية والاجتماعية وحيثياث ضمه لقائمة التراث العالمي اللامادي ..
وقد إفتتحت المنظمة تقريرها الرسمي بالمقدمة التالية:
" أُدرجت للتو "المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الكسكس" في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، ويعترف هذا الإدراج بالقيمة الاستثنائية للكسكس وللمهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإعداده، وهو يجسد كذلك التعاون الثقافي بين أربعة بلدان لديها هذا التراث المشترك، وهي الجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس. كما يشهد هذا الإدراج على الجهود الخاصة التي تبذلها اليونسكو من أجل تشجيع الإدراج المشترك بين عدة بلدان بغية تحقيق التقارب بين الشعوب والثقافات".
ثم تلى ذلك التقرير التالي:
تقرير منظمة اليونيسكو المنشور على موقعها الرسمي :
تقاليد الكسكس: كيف يعمل التراث على تحقيق التقارب بين الشعوب
يأتي إدراج "المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الكسكس" ثمرة ترشيح مشترك بين الجزائر وموريتاينا والمغرب وتونس. ويبيّن هذا الإدراج المشترك لأحد عناصر التراث المشتركة، إلى أي حدّ يمكن للتراث الثقافي غير المادي أن يكون موضوعاً يجمع الدول ويحضّها على التعاون. وهو جوهر عمل اليونسكو التي تبني الجسور بين الشعوب، وتعمل على تقاربها من خلال الممارسات والمعارف المشتركة بينها.
يُعتبر هذا الإدراج المشترك نجاحاً عظيماً، وهو دلالة هامة على الاعتراف الثقافي، كما أنّه نجاح دبلوماسي حقيقي يتناول موضوعاً يحمل أهمية ورمزية كبيرة للشعوب في هذه المنطقة بمجملها، بل ويتجاوزها أيضاً. يتبيّن من توافق الآراء هذا أنّ التراث الثقافي يمكن أن يكون موحداً واستثنائياً في الوقت نفسه، ويتجاوز الحدود.المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي
إنّ تاريخ هذا الطبق الأمازيغي، ليس ضارباً في القدم وحسب، لأنّ الكسكس كان معروفاً منذ العصور الوسطى على أقل تقدير، وإنّما مركب وشديد التنوع.
فإن كان من الصعب البتّ في تاريخ هذا الطبق، حيث دارت نقاشات بين الخبراء الذين أعدوا ملف الترشيح، فإنّ جميع الأطراف المعنية اتفقت في النهاية على النتيجة نفسها: "أفضل كسكس هو الذي تعدّه أمي".
روح الكسكس والتعبير عن الحياة الاجتماعية
يعتبر الكسكس طبقاً يميّز حياة شعوب هذه البلدان الأربعة وأكثر، فلا يوجد زفاف أو عيد أو اجتماع عائلي من دون الكسكس؛ فهو في الوقت نفسه طبق الأيام العادية والمناسبات الاستثنائية، وطبق الأفراح والأتراح، ويؤكل في المنزل وخارجه، وفي الزوايا (وهي أماكن تقليدية للعبادة) على سبيل المثال، أو حتى في الهواء الطلق، وبمناسبة تقديم الذبائح وتبادل الهبات.
ويرافق الكسكس النساء والرجال والشيب والشباب والسكان المستقرين والرحّل، وأبناء الريف وأبناء المدينة والشتات، من المهد إلى اللحد. ولا يمكن اختصاره بالمكونات المميزة له، فالكسكس أكثر من مجرد طبق، إنّه أوقات مميزة وذكريات وتقاليد ومهارات وحركات تتناقلها الأجيال.
لذلك هناك وصفات لتحضير الكسكس بعدد العائلات التي تُعده، وهناك مجموعة لا متناهية من الفروق الدقيقة بين المناطق، وتختلف مكونات هذا الطبق باختلاف النظم الإيكولوجية، من سهل أو جبل، من واحة أو صحراء، من ساحل أو جزيرة، مما يجعل من الكسكس مرآة للمجتمعات التي تطهوه.
الكسكس أكثر من مجرد طبق: إنّه سلسلة من المعارف والمهارات والتقاليد
فتحضير حبات الكسكس احتفالي، وهو يتبع عدداً من الخطوات التقليدية، إذ يُطحن السميد بالطاحونة اليدوية أو الآلية (التي كانت في السابق موجودة كجزء من أثاث المنزل، وهي تعمل باليد بواسطة ذراع)، ثمّ يُفرك السميد بين أيدي النساء، بحسب التقاليد، في أطباق مصنوعة من الفخار والخشب والقش ومؤخراً أصبحت الأطباق مصنوعة من المعدن، من أجل الحصول على حبات يعيّر حجمها باستخدام منخل خشبي، كانت تُصنع شباكه من الأمعاء أو من القش، وأصبحت تُصنع حالياً من المعدن.
ينطوي الكسكس على طيف من المهارات التي تضطلع بها المرأة بدور أساسيّ. ولا يقتصر دور المرأة في هذا السياق على عملية تحضير الكسكس واستهلاكه، بل يمتد ليشمل أيضاً إحياء منظومة القيم والدلالات المتعلقة بهذا الطبق والحفاظ عليها. وبالإضافة إلى ذلك، يضم الكسكس مجموعة من الخبرات والحرف اليدوية: بدءاً من الحرفيين الذين يصنعون الأدوات المتعلقة بالكسكس، والمزارعين الذين ينتجون الحبوب، وعمال المطاحن الذين يطحنون هذه الحبوب ويحولونها إلى سميد، والتجار، وحتّى أصحاب الفنادق. ومن هنا، نرى أنّ الكسكس عالم ينطوي على نسيج اجتماعيّ كامل متكامل.
وكانت "صناعة الكسكس" والطقوس المختلفة لتحضيره، ولا تزال، رمزاً للتعددية التي تمتاز بها المعارف والمهارات التي تُتناقل شفوياً من خلال المراقبة، ثم التطبيق، الأمر الذي يستدعي صونها.