في تَعِلّة أن الأمازيغية غير نافعة .. بقلم الاستاذ محمد بودهان
بقلم الاستاد محمد بودهان
الثلاثاء: 16 يناير 2021
كتبنا في مقال سابق (دعوى غياب العلمي وطغيان الإيديولوجي في الخطاب الأمازيغي) بأن المناوئين لأمازيغيتهم من المتحوّلين جنسيا، أي هوياتيا وقوميا حسب المعنى العربي الأصلي لكلمة “جنس”، لم يعودوا يبرّرون موقفهم الرافض لها برفع فزاعة “الظهير البربري”، وخصوصا بعد أن ثبت أن هذا الأخير مجرد أكذوبة لم يسبق أن وُجد تاريخيا وحقيقة.
لكنهم لم يستسلموا، كما كان منتظرا نتيجة للتطورات التي عرفتها القضية الأمازيغية وللمكاسب التي حقّقتها، بل غيّروا أسلحتهم لينتقلوا من الاستعمال المباشر لأسطورة “الظهير البربري” إلى استعمال ملحقاتها التي تأخذ شكل تعِلّات تبدو في ظاهرها كما لو أن لا شيء يربطها بهذه الأسطورة، المؤسِّسة والمؤصِّلة لعداء جزء من المغاربة لأمازيغيتهم، مع أن هذه التعِلّات ترمي إلى نفس الغاية وهي “الإقناع” برفض الأمازيغية وإقصائها ومناهضتها.
ومن بين هذه التعِلّات تلك الفكرة العامّية، المحفوظة والمكرورة، التي تقول بإن ما يريده المغاربة هو الشغل، والتعليم، والطبيب، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، والديموقراطية، ومحاربة الفساد والاستبداد…، وليس الأمازيغية التي لا تنفعهم في شيء، ولا تدخل بالتالي ضمن أولوياتهم ولا اهتماماتهم.
رغم أن هذه التعِلّة هي فكرة عامّية، كما قلت، إلا أن مصدرها ليس العامّة ممن هم خارج دائرة المتعلمين والمثقفين، بل إن هؤلاء المثقفين هم الذين اختلقوها وروّجوها وأوصلوها إلى العامّة حيث اكتسبت طابعها الشعبي العامّي. وكمثال على ذلك، نذكّر أن الراحل محمد عابد الجابري، بكل مستواه الفكري المعروف، سبق له أن قال، في حوار أجرته معه القناة الثانية في أواخر تسعينيات القرن الماضي، جوابا عن سؤال حول موقفه من المطالب الأمازيغية، بأن ما يريده الأمازيغيون بالقرى والجبال والأرياف هو الماء والكهرباء والمستشفى والمدرسة، وليس ما تطالب به الجمعيات الأمازيغية من هوية ولغة وثقافة أمازيغية.
فإذا كان هذا المفكر الكبير، الناطق بالأمازيغية، يختزل المطالب الأمازيغية في الماء والكهرباء والمستوصف والمدرسة، فلا نلومنّ العامّة، وخصوصا من غير الناطقين بالأمازيغية، عندما يقولون بأن أولويات المغاربة هي الشغل والتعليم والطبيب والكرامة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد…، وليس الأمازيغية التي لن تخلق لهم شغلا، ولن تفيدهم في التعليم، ولن تكوّن لهم طبيبا، ولن تُكسبهم كرامة، ولن توفّر لهم عدالة اجتماعية، ولن تؤسس لهم ديموقراطية، ولن تقضي على فساد ولا استبداد…
إذا كانت الأمازيغية لا تنفع فبسبب منعها أن تكون نافعة:
هذا هو مضمون أوجه غياب “النفع” الذي (غياب) يجعل إقصاء الأمازيغية إقصاء مشروعا ومبرَّرا. فهي، حسب هذه التعِلّة، غير نافعة ولا صالحة لأي شيء ذي قيمة لدى المواطن المغربي، مثل الشغل والتعليم والعلاج والكرامة والعدالة الاجتماعية والحكم الديموقراطي… وواضح أن هذه التعِلّة، باستحضارها لحاجيات المغاربة الملحة واليومية، فهي تستند إلى غير قليل من التدليس والمكر: فلأن الأمازيغية مقصاة من المدرسة والإدارة والمحكمة والمسجد، وكل مؤسسات الدولة، فلذلك يلاحظ المواطن، عندما يلج هذه المؤسسات، أن الأمازيغية هي بالفعل لا تُجدي ولا تنفع.
وهكذا يكون إقصاء الأمازيغية غاية ووسيلة لنفس الغاية: إقصاؤها من أجل تجريدها من أي نفع، وهذا التجريد هو ما يزيد من إقصائها ويجعله مشروعا ومبرَّرا، كما قلت. مع أن الأمازيغية، إذا كانت لا تنفع كما يقول أصحاب هذه التعِلّة، فذلك لأنها مُنعت من أن تكون نافعة، إذ كيف تكون نافعة بالإدارة والمحكمة وهي ممنوعة من المدرسة حيث كان يُفترض أن يكون موظفو الإدارات والمحاكم قد درسوها وتعلّموها كلغة كتابية حتى يستعملوها كلغة نافعة؟ إنه تدليس بليد أن نُقصي الأمازيغية حتى لا تكون نافعة، ثم نقول إنها لا تنفع، ونستنتج من ذلك أن المغاربة ليسوا في حاجة إليها لعدم نفعها.
ونفس الشيء يفعله الأستاذ بنسالم حمّيش في كل مقالات الأمازيغوفوبية عندما يتحدّى، بمنطق عامّي كما لو كان أمّيا، المدافعين عن الأمازيغية أن يكتبوا مقالاتهم بلغتهم الأمازيغية وبحرفها تيفيناغ. مع أنه يعرف، إلا إن كان أمّيا، أن كتابة أية لغة هي شيء يُتعلّم في المدرسة أو ما يقوم مقامها. فليس من المنطقي ولا من العدل ولا من الذكاء أن نمنع الأمازيغية من المدرسة حيث يُتعلّم الاستعمال الكتابي للغة، ثم نقول إنها لغة لا تصلح للكتابة، بدليل أن أصحابها عاجزون عن الكتابة بها.
ولهذا، وحتى تكون تعِلّة “أن الأمازيغية غير نافعة” ذات صِدقية وصلاحية منطقية valide، ينبغي:
ـ أولا، إعطاء الأمازيغية فرصة الاستعمال، مع ما يسبق ذلك من تأهيل مدرسي لها كما يجري العمل بذلك مع كل اللغات المعتبَرة نافعة، لاختبار هل هي قادرة على أن تكون نافعة أم لا.
ـ ثانيا، تبيان أن اللغات النافعة مثل العربية، هي بالفعل نافعة في المجالات التي عجزت الأمازيغية أن تكون نافعة فيها، بعد أن توفرت لها نفس الفرص التي توفرت لتلك اللغات.
فبما أن الأمازيغية لم تستفد من نفس العناية التي استفادت منها العربية والفرنسية، أو أية لغة أخرى تعتبر نافعة حسب منطق تعِلّة “النفع”، وبالتالي لم تتوفّر لها نفس الفرص لتدريسها الإجباري والموحّد، فإن الكلام عن عدم نفعها كلام غير صحيح، لأنه لم يثبُت أنها غير نافعة بعد توفّر شروط اختبار ذلك النفع، كما توفّرت للعربية والفرنسية، ولكل لغة تُعتبر نافعة.
النتيجة أن القول بأن الأمازيغية غير قادرة على تلبية حاجة المغاربة إلى الشغل والتعليم والطبيب والكرامة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد…، كلام لا يقوم على أي دليل اختباري يؤكّد هذا الادعاء. وهو ما يجعل منه مجرد كلام أمازيغوفوبي ينطلق من موقف عدائي مسبق من الأمازيغية، يغطّيه أصحابه بتعِلّة غياب النفع، في الوقت الذي يكون فيه الغائب الحقيقي هو منح الفرص للأمازيغية لتكون نافعة.
وهل العربية وفّرت للمغاربة الشغل والعلاج والديموقراطية…؟
ورغم أن هذه التعٍلّة لا تصحّ، كما ذكرت، إلا إذا ثبت أن اللغات الأخرى التي تُعتبر نافعة مثل العربية، هي بالفعل نافعة في المجالات التي عجزت الأمازيغية أن تكون نافعة فيها، بعد أن تكون قد توفرت لها نفس الفرص التي توفرت لتلك اللغات، إلا أننا، مع ذلك، سنقارن “نفع” هذه اللغات بعدم نفع الأمازيغية التي لم تستفد من نفس فرض التنمية والعناية والنهوض التي استفادت منها هذه اللغات.
ولنبدأ بالعربية التي أنفقت عليها الدولة منذ الاستقلال الملايير من المال العام. ففي هذه الحالة، إذا كانت نافعة وتوفّر للمغاربة، عكس الأمازيغية، الشغل والتعليم والأطباء والكرامة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية وتحارب الفساد والاستبداد…، فسيكون ذلك شيئا عاديا ومنتظرا نتيجة العناية الكبيرة التي حظيت بها من طرف الدولة.
والحال أنها عاجزة، ربما أكثر من الأمازيغية التي لم تستفد حتى من واحد على مليار مما أُغدق عليها من مال عام، أن توفّر للمغاربة الشغل والتعليم والطبيب والكرامة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية، وتحارب الفساد والاستبداد… فباستثناء بعض المهن الحرة مثل المحاماة وخطة العدالة، وبعض الوظائف الإدارية والقضائية، فإن الشعل النبيل بالمغرب لا يمكن أن يحصل عليه إلا من يتقن اللغات الأجنبية من غير العربية، أو الدارجة أو الأمازيغية بالنسبة للأنواع العادية من الشغل، مثل البناء، السياقة، الحدادة، الميكانيك، الجزارة، البِقالة… ولهذا ليس بغريب إذا ارتفعت نسبة العاطلين بالمغرب بارتفاع عدد الخريجين الذين تلقوا تكوينهم بالعربية.
وإذا كانت الأمازيغية لا تفيد التعليم الجيد الذي يحتاجه المغاربة، حسب تعِلّة منطق النفع، فالثابت أن العربية أفسدت التعليم بالمغرب بسبب استخدامها، ليس كلغة، بل كأداة لتعريب المغاربة، أي تحويلهم الجنسي من جنسهم الأمازيغي الإفريقي إلى جنس عربي أسيوي منتحَل، وهو ما كان وراء المستوى المتردّي الذي وصل إليه التعليم بالمغرب، منذرا بتلك “السكتة القلبية” التي حذّر منها الراحل الحسن الثاني في أكتوبر 1995.
هذا التردّي للتعليم هو الذي دفع المسؤولين إلى إلغاء التعريب والعودة إلى اللغة الأجنبية كلغة لتدريس العلوم في المرحلة الابتدائية والثانوية بعد مصادقة البرلمان، نهاية يوليوز 2019، على القانون الإطار رقم 51.17، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي تقضي مادّتاه الثانية والواحدة والثلاثون باللجوء إلى “التناوب اللغوي” لتبرير وتمرير قرار تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، بدل العربية التي تقرّرت كلغة لتدريس هذه المواد منذ أربعين سنة.
في الحقيقة، النتائج الكارثية لسياسة التعريب ـ والتي لا علاقة له باللغة العربية التي هي أولى ضحايا هذه السياسة ـ لا تحتاج إلى أدلّة وشواهد، إذ بمجرد القول إن ما يحتاجه المغاربة هو الشغل والتعليم والطبيب والكرامة والعدالة الاجتماعية والديموقراطية ومحاربة الفساد والاستبداد…، وليس الأمازيغية، فإننا نحمّل المسؤولية مباشرة عن هذا النقص، الذي يعاني منه المغاربة في هذه المجالات الحيوية، للغة العربية في شكل استعمالها، ليس اللغوي كما سبقت الإشارة، وإنما الإيديولوجي والتعريبي المحوّل للمغاربة من جنسهم الأمازيغي الإفريقي إلى جنس عربي أسيوي، كما كتبت.
وفي نفس الوقت فإننا نبرّئ الأمازيغية من أية مسؤولية عن هذا النقص، لأنها كانت مقصاة وغائبة منذ الاستقلال. فلم يكن لها إذن أي دور في النتائج الكارثية للسياسة اللغوية والتعليمية التي تبنّتها وفرضتها الدولة.
قيمة اللغات لا يحدّدها جانبها النفعي فقط:
ثم لو كان الجانب النفعي هو الذي يحدّد قيمة وأهمية اللغات، لتخلّت معظم الشعوب عن لغاتها وتبنّت اللغات الأكثر نفعا مثل الإنجليزية والصينية… بل لكان العرب هم أول من يتخلى عن العربية التي لا نفع لها في الاقتصاد والعلم والتكنولوجيا. أكثر من ذلك، إذا اعتمدنا هذا المنطق النفعي كمعيار، فعلى المغاربة أن يتخلوا على أعز شيء لديهم وهو الإسلام، ما دام أنه لا يوفّر لهم شغلا ـ إلا لممتهني الرقية اللاشرعية ـ، ولا تعليما جيدا، ولا أطباء يعالجون مرضاهم، ولا عدالة اجتماعية، ولا حكما ديموقراطيا… أفهم أن هذا يبدو أمرا غير معقول ولا مقبول.
لكن ذلك هو النتيجة التي يؤدّي إليها المنطق النفعي للذين يبرّرون إقصاء الأمازيغية بنفس المنطق. فلماذا يستحضرون هذا المنطق النفعي لإقصاء الأمازيغية، لكنهم يرفضون نتائجه إذا تعلّق الأمر بالعربية أو الإسلام، علما أن الأمازيغية، إذا لم تكن ذات نفع فلأنها، كما سبق شرح ذلك، مُنعت من أن تكون نافعة؟
نريد بهذه الأسئلة والأمثلة تبيان أن اللغات، حتى عندما لا تبدو نافعة، فإن قيمتها لا تتحدّد فقط بمقدار نفعها التواصلي والمعرفي والعلمي والاقتصادي…، بل ما يحدّدها كذلك هو علاقتها بالهوية الجماعية لشعب من الشعوب، حيث تشكّل الوجه الثاني لتلك الهوية الجماعية.
ولهذا تُسمّى غالبية الشعوب بأسماء لغاتها، والتي هي في نفس الوقت أسماء لهوياتها الجماعية، مثل الشعب العربي الذي تشكّل العربيةُ لغتَه الهوياتية والعروبةُ هويته الجماعية، والشعب الياباني الذي تشكّل اللغةُ اليابانية لغتَه الهوياتية والانتماءُ الياباني هويته الجماعية، والشعب الأمازيغي لشمال إفريقيا الذي تشكّل الأمازيغيةُ لغتَه الهوياتية والانتماءُ الأمازيغي هويته الجماعية، والشعب الفارسي لإيران الذي تشكّل اللغةُ الفارسية لغتَه الهوياتية والانتماءُ الفارسي هويته الجماعية…
بالنظر إلى هذه العلاقة بين اللغة والهوية، فإن القول بأن الأمازيغية لا تنفع، هو قول يعبّر عن أعلى درجات احتقار الذات وتبخيسها، لأن هذا القول يتضمّن اعترافا من صاحبه المغربي بأنه لا يفيد ولا ينفع. ولهذا لا يصدر هذا القول إلا من المتحوّلين جنسيا، أي قوميا وهوياتيا، الذين يحتقرون ذاتهم الأمازيغية ويبخسون انتماءهم الأمازيغي. مع أنه حتى لو فرضنا أن الأمازيغية لا تنفع، فإن الوطنية الصادقة وقيم العدل والإنصاف تفرضان، ليس التذكير المستمر بأن الأمازيغية لا تنفع، بل العمل على إزالة العوائق التي تمنعها من أن تكون نافعة، والكفاح من أجل جعلها نافعة ومفيدة.
ولهذا فإن هذا المنطق النفعي بخصوص اللغات، حتى لو افترضنا أنه صحيح، فإن صحته ستقوم على تصوّر نفعي وميكانيكي للإنسان، ينفي عنه كونَه كائنا ثقافيا يحمل قيما تتجاوز ما هو نفعي، مثل اللغة والهوية والدين، والتي هو مستعد للدفاع عنها وحتى الموت من أجلها، دون أن يكون لها نفع فوري مباشر. وهذا ما تفعله كل الشعوب التي تعتز بلغاتها وتحميها وتدافع عنها رغم أنها ليست في المستوى النفعي للغات مثل الإنجليزية أو الصينية أو الألمانية… وهذا الاعتزاز هو مصدر كرامة هذه الشعوب التي تقدّر لغاتها القومية وتفتخر بها.
الأمازيغية كمصدر للكرامة وعامل للديموقراطية:
وعلى ذكر الكرامة، التي يقول أصحاب تعِلّة عدم نفع الأمازيغية إنها من أولويات ما ينشده المغاربة، وهو ما لا تعطيه لهم الأمازيغية حسب زعمهم، يجدر التأكيد أن من بين الأسباب التي تجعل الحاجة إلى الكرمة أولوية لدى المغاربة هو تخلّي الكثيرين منهم عن أمازيغيتهم، مع ما رافق ذلك من تغييرهم لجنسهم الأمازيغي الطبيعي الأصيل بجنس عربي زائف ومنتحَل.
وبذلك فقدوا كرامتهم، التي ترمز إليها هويتهم الأمازيغية الجماعية، عندما أصبحوا يتسوّلون من الغير أن يقبل انتسابهم إليه، ويسمح لهم بخدمة هويته الأجنبية، في الوقت الذي يتبرأ فيه هذا الغير من انتمائهم إليه، ويرفض تبنّيهم خوفا من أن يغدروا به كما غدروا بهويتهم الأصلية. فهذا الذي خان هويته وتنكّر لها، وغدا يستجدي من الآخرين منحه هوية بالتبنّي، هو فاقد لأية عزة وكرامة، لأنه، أولا، اختار أن يكون بلا أصل ولا مَحْتِد، ولأنه، ثانيا، غير أهل بالثقة لأنه معروف بخيانته لأقرب الناس إليه وهو أمّه الأمازيغية. وهنا، بخصوص موضوع الكرامة، تكون الأمازيغية هي الأنفع والأجدى، لأنها منبع الكرامة ورمز الوفاء والسواء والإخلاص.
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الحكم الديموقراطي الذي لا زال المغاربة يحلمون به. فغياب الديموقراطية لا يرجع إلى الأمازيغية الغائبة كنظام سياسي، بل قد يرجع إلى انتحال الدولة انتماء عربيا مع ما يستتبع ذلك من تبنّيها لنمط من الحكم خاص بالأنظمة العربية، والذي من خصائصه غياب الديموقراطية الحقيقية.
وإذا كان الدين يُستعمل لدعم الاستبداد، فذلك بسبب استيراد صيغته السياسية من المشرق العربي، التي لا علاقة لها بالإسلام المغربي الذي كان يمارسه المغاربة قبل هجمة الإسلام السياسي المشرقي، في أشكاله الوهابية والإخوانية والداعشية والسلفية المتخلّفة.
فهل هذه الإشكال من الإسلام السياسي المشرقي توّفر للمغاربة الشغل والتعليم الجيّد والأطباء والكرامة والعدالة الاجتماعية والحكم الديموقراطي؟ وهل المسيرات التضامنية مع فلسطين، مع التصريح علانية بأنها أهم من القضايا الوطنية، أو إطلاق أسماء شخصيات وهابية خليجية، مثل:”خالد السلطان”، “بسام فرج”، “خالد الحمودي”، “حمد الدهلوس”، “خالد سعود الحليبي”.. على شوارع مدن مغربية (انظر موضوع: «وهل هناك فرق بين تسمية المغرب بالعربي وتسمية شوارعه بـ”الدهلوس”؟» بالنقر هنا)، تعبيرا عن الولاء الأعمى لكل ما هو مشرقي عربي، سيوفّر للمغاربة الشغل والتعليم والطبيب والكرامة والعدالة الاجتماعية والحكم الديموقراطي؟ وهل انتماء المغرب إلى جامعة الدول العربية، كعنوان على تبعيته للعروبة، يوفّر للمغاربة الشغل والتعليم والطبيب والكرامة والعدالة الاجتماعية والحكم الديموقراطي؟
لا تعني هذه الأسئلة أن القطع مع العروبة المنتحَلة والعودة إلى الأمازيغية ستجعلان المغرب يرفل في نِعَم التقدم والرفاهية والديموقراطية. لكن الأكيد أنه سيسترجع كرامته المفقودة باسترجاعه لاستقلاله الهوياتي. وسيكون ذلك شرطا لتحقيق أي تقدم وبناء أي حكم ديموقراطي.
نريد بهذه المناقشة تبيان أن التعِلّات التي يُستند إليها لتبرير إقصاء الأمازيغية، مثل تعِلّة أنها لا تنفع لشيء، هي مجرد انطباعات وقناعات أمازيغوفوبية ينشرها المثقفون المستلَبون والمستلِبون، ويردّدها العامّة والأميون، سرعان ما ينسفها قليل من التحليل، ويكشف سفاهتَها القليل من الفحص والاختبار.