خبير: المغرب إنتقل من الدفاع الى الهجوم وإذا فقد الصحراء ستفقد الجزائر منطقة القبائل الأمازيغية
بقلم الخبير في قضية الصحراء: أحمد نور الدين
21/07/2021
أمام ردود الفعل التي خلفها تصريح السفير المغربي بالأمم بالمتحدة السيد عمر هلال بنيويورك، يجب التذكير أولا بالإطار الذي يندرج فيه، فقد كان يرد على التهجم العدائي الذي اقترفه وزير خارجية الجزائر رمطان العمامرة، المعين منذ أسبوع فقط في منصبه القديم؛ عدوان بكل المقاييس الدبلوماسية والسياسية واللفظية، وخروج عن السياق وعن جدول أعمال مؤتمر عدم الانحياز الذي لم تدرج فيه قضية الصحراء المغربية، وهو خطأ مهني لا يرتكبه حتى المبتدئون في العمل الدبلوماسي، وبالتالي فالسفير عمر هلال قام بما يمليه عليه الواجب المهني فقط باستعماله حق الرد، وفي حدوده الدنيا...
ثانيا من حق المغرب الدفاع عن أرضه ووحدته بكل الوسائل التي يراها مناسبة ضد كل من يتطاول على حرمته ووحدته، وهذا من صميم عمل وواجب السفراء.
ثالثا القوانين الدولية تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، ولو استعمله المغرب منذ بداية النزاع لكان الملف أغلق منذ عقود؛ لكنه تعامل بالمنطق الذي يحكم العلاقات الشخصية بين الأفراد وليس العلاقات بين الدول، وذلك من خلال العفو عن الإساءات والاكتفاء بالدفاع أمام الهجوم الجزائري رغم تجاوزه كل الخطوط الحمراء منذ دخول الجزائر المباشر في الحرب في معركة أمكالا 1976؛ والأسرى من الجيش الجزائري خير شاهد على ما نقول.
ثم إن المغرب جرب سياسة النوايا الحسنة طيلة نصف قرن، فما زاد ذلك النظام الجزائري إلا تغولا وعدوانية حتى أصبحت خطابات الرئيس تبون لا تخلو من هجوم وكراهية وحقد ضد المملكة ومؤسساتها في كل المناسبات.
النظام الجزائري خان كل العهود والاتفاقات التي وقعها مع المغرب، واستعمل الغدر عملة في كل المحطات تجاهه، لذلك سيكون من السذاجة أن نستمر في نفس النهج وننتظر تغييرا في الموقف الرسمي للجزائر.
النظام الجزائري لن يرفع يده عن الصحراء المغربية إلا إذا أحس بأن ما سيخسره أكبر بكثير مما سيربحه، ونحن نعلم أن الجغرافيا الحالية للجزائر هي من صنع الاستعمار الفرنسي، وإذا كانت البلاد تريد تفكيك جغرافية دولة عريقة مثل المغرب عمرها على الأقل 12 قرنا من وجود دولة مركزية مستقلة فإنه من السهولة بمكان تفكيك جغرافية دولة لم تكن موجودة قبل 60 سنة في حدودها الحالية، خاصة أن هناك مطالب حقيقية لدى شعب الطوارق والأزواد في الجنوب، وشعب القبائل في الشمال، ومطالب حكم ذاتي لدى الأقلية المزابية في الوسط، والمثل يقول “من حفر حفرة وقع فيها”، والنظام الجزائري حفر حفرة عميقة طيلة 50 سنة، وآن له أن يسقط فيها سقوطا مدويا.
مشكلتنا مع النظام الجزائري ليست وليدة بضع سنوات حتى نأمل تغير الموقف بتغير الحاكم أو الحكومة، هي عقيدة كراهية وعدوان تتبناها الدولة وتدرسها للجزائريين في مقرراتهم الدراسية من الابتدائي إلى الجامعة؛ هي مشكلة تعود إلى نصف قرن من التخطيط الإستراتيجي الأسود لهدم وحدة المغرب.
في النزاعات الدولية إذا لم تكن لديك أوراق للضغط على خصمك أو عدوك فإنك دخلت منذ البداية في معركة خاسرة، ويمكنك أن ترجع إلى كل النزاعات الدولية وسترى كيف تستعين كل دولة بأوراق ضد الدولة التي تصارعها. ومشكلتنا في المغرب أن الدولة راهنت على تعقل النظام الجزائري عوض أن تسعى إلى امتلاك أوراق للضغط والتفاوض.
لذلك سيكون من السذاجة في عالم السياسة والجيوبوليتيك والنزاعات الدولية أن تبقى في موقف الدفاع، دون امتلاك أوراق للضغط من نفس الجنس ومن نفس الطبيعة وبنفس الخطورة على خصومك: انفصال مقابل انفصال، حركة مقابل حركة، دعم مقابل دعم، إذاعة انفصالية أو قناة فضائية مقابل أختها، تسليح مليشيات مقابل تسليح ميلشيات، وهكذا. وبغير ذلك يستحيل على خصمك أن يكف عدوانه…
والمغرب جرب حسن النية ليس سنة أو سنتين أو حكومة أو حكومتين، نحن نتحدث عن نصف قرن من الزمن والمؤامرات والحروب على كل الجبهات وفي كل المحافل من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الإفريقي والبرلمان الأوربي والمحاكم في أوربا وجنوب إفريقيا وأمريكا الوسطى، دون أن ننسى أن الجزائر تحتضن معسكرات الميلشيات الانفصالية وتسلحها تسليحا ثقيلا لا تمتلكه بعض الدول الإفريقية من دبابات وراجمات صواري. نحن لا نتحدث عن حركة انفصالية لديها رشاشات كلاشنكوف.
بقي أن ننبه إلى أن التعامل مع النظام الجزائري ينبغي أن يكون وفقا لإستراتيجية متكاملة وشاملة، ولا ينبغي أبدا أن يكون مقتصرا على مجرد ردود فعل أو تصريحات صحافية، لأن النظام الجزائري الذي أوصل بلده وشعبه إلى حافة الانهيار، وقتل ربع مليون جزائري أثناء العشرية السوداء في التسعينيات، يمكن أن يقوم بأي عمل متهور، ويجب أن نتوقع منه أي شيء. لذلك على المغرب أن يتخذ كل الاحتياطات ويضع السيناريوهات اللازمة لكل الفرضيات.
وفي كل الحالات سيكون المغرب منتصرا لأنه يدافع عن حقه وعن أرضه ووحدته، وبنفس اليقين سيكون النظام الجزائري خاسرا لأنه في وضع المعتدي على وحدة وحرمة جاره الذي دعمه في ثورته التحريرية ضد الاستعمار، واحتضن فوق أرضه قواعد جيش التحرير الجزائري وقيادة الثورة، بما فيها ثلاثة رؤساء جزائريين تربوا وترعرعوا في المغرب، وهم بن بلة (من أبوين مغربيين) وبومدين وبوتفليقة، الذين عضوا اليد التي ساعدتهم منذ الساعات الأولى من استقلال الجزائر؛ لذلك يستحمل النظام الجزائري كل الوزر والتبعات عن الخمسين سنة الماضية وما سيترتب عن الانزلاق الحالي.