كيف أصبح الامازيغي أحمد بوطالب أفضل عمدة في العالم؟ بقلم احمد عصيد
بقلم احمد عصيد
23/09/2021
زرت روتردام ثلاث مرات لإلقاء محاضرات لدى جمعيات الجالية المغربية بهولندا، وفي كل مرة كنت أسمع عن أحمد بوطالب عمدة روتردام بهولندا. المغربي الأمازيغي الريفي الأصل، الذي يتحدث عنه الناس بتقدير واحترام عظيمين، كان بحق “رجل الإجماع” بلا منازع، حيث لا تجد من يذكره بشرّ أو ينعته بنعت سلبي.
العمدة احمد بوطالب |
وقد شاءت الظروف أن ألتقي به شخصيا في المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة، فلم أر منه إلا كل دماثة خلق وأريحية وعمق نظر، يمكن في عبارة واحدة وصف الرجل بأنه “شخص عملي” منشغل كليا بتحقيق أثر ملموس في حياة الناس، ولهذا لا يخوض الصراعات الجانبية، فيحترمه الخصوم قبل الأعداء، هذا إن كان له أعداء.
لهذا لم يفاجئني خبر فوز عمدة روتردام أحمد بوطالب بجائزة أفضل عمدة في العالم لسنة 2021، التي تقدمها منظمة “سيتي مايروز” الموجود مقرها ببريطانيا، وهو اختيار أكثر من موفق، ولعل المعايير التي بُني عليها اختياره تدلّ بشكل عميق على شخصيته وإنجازاته، وهي المعايير التالية:
ـ التفاني في خدمة المواطنين وإيجاد حلول لمشاكلهم.
ـ التعامل بدون تمييز مع جميع المواطنين بغض النظر عن ألوانهم أو عقائدهم أو أنسابهم العائلية أو جنسياتهم أو أصولهم العرقية.
ـ النزعة الإنسية التي تعطي الأولوية لكرامة الإنسان باعتباره غاية في ذاته.
ـ نسبة الصعوبات التي تمت مواجهتها بتضحية وتفان من أجل مصالح المواطنين.
ـ نسبة النجاحات التي تم تحقيقها ضمن برنامج عمل العمدة.
وقد تم عرض هذا النجاح على الرأي العام الهولندي لاختبار مدى وجاهته فكانت النتيجة اقتناع 85 في المائة من الهولنديين بأحقية بوطالب في الفوز بهذه الجائزة الدولية، وهو رقم قياسي غير مسبوق. يؤهله لارتقاء مناصب المسؤولية حتى الوصول إلى أعلاها كرئيس الحكومة مثلا.
احمد بوطالب فاز السنة الماضية بلقب شخصية السنة في هولندا |
ولكن هل نحن بحاجة إلى القول إن نجاح عمدة روتردام يعود أيضا إلى جودة النسق الديمقراطي العريق الذي يعمل فيه ؟ هل كان ممكنا للرجل أن يحظى بهذا التقدير لو كان عمدة مدينة تقع في الخريطة الممتدّة من المغرب إلى الخليج ؟
لدينا من المعطيات ما يكفي للجزم باستحالة ذلك، فقصة اضطهاد عمدة أكادير الأسبق السيد طارق القباج الذي تفانى في خدمة المواطنين وحقق الكثير من المنجزات التي قام بتخريبها من جاء بعده، وانتقام السلطة منه بإقصائه بسبب تحيزه لمصالح السكان ضدا على مافيات الفساد، يظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن الأمر يتعلق قبل صلاح الأفراد بصلاح الأنساق والأنظمة والدول، أو لنقل إن العلاقة جدلية بين صلاح الأنظمة وصلاح الشعوب.
فليس العمل الصالح للعمدة إلا ثمرة جودة الترسانة القانونية وحسن سير المؤسسات التي لا يضطر للمواجهة معها ليل نهار، ولكن في نفس الوقت يعود هذا النجاح كذلك إلى النسبة العالية من الوعي المواطن لدى عامة الناس وخاصتهم، والذي هو نتاج التربية والتأطير الذي تمارسه مؤسسات التنشئة الاجتماعية منذ الطفولة المبكرة.