ما لا تعرفه عن القائد الأمازيغي العظيم عبد المؤمن الكومي
يعتبر القائد الأمازيغي عبد المؤمن بن علي الكومي احد القادة العظماء في التاريخ الذين اثرو بقوة في تاريخ شمال افريقيا والاندلس وقد دام حكمه أربعًا وثلاثين سنة من التشييد والعمران والازدهار وتثبيت دعائم امبراطورية مترامية الأطراف.
ولد الزعيم الامازيغي العظيم عبد المؤمن بن علي الكومي سنة 1094 ميلادية بمدينة تلمسان التي كانت تابعة لدولة المرابطين الامازيغ. وفيها نشأ وتعلم ( واسمه بالأمازيغية ⵄⴱⴷ ⵍⵎⵓⵎⵏ ⵓ ⵄⵍⵉ ⴰⴳⵓⵎⵉ - Ɛbd Lmumin U Ɛli Agumi) وكان في طفولته مساعدا لوالده الذي كان صانع خزف .
عبد المومن بن علي الكومي موحد البلاد
درس عبد المومن الكومي وتعلم في تلمسان، وكانت من أهم حواضر العلم في عصره، وتلقى العلم على عدد من كبار العلماء في عصره، ثم استعد للرحلة إلى المشرق ؛ طلبا للمزيد من المعرفة لكن قبل الرحيل سمع بوجود عالم جليل يتحدث الناس عن علمه الغزير، فاشتاق إلى رؤيته، فاتجه إليه حيث يقيم في بلدة «ملالة» القريبة من بجاية عاصمة الدولة الحمادية الامازيغية.
وفي هذا اللقاء أُعجب عبد المؤمن الكومي بشخصية العلامة الامازيغي ابن تومرت وغزارة علمه وقدرته على حشد الأنصار والأتباع، فتخلى عن فكرة السفر إلى المشرق، ولزم ابن تومرت، ودرس على يديْه، وكان عالما كبيرا وفقيها متبّحرا فتوثقت الصلة بين الرجلين. فظهرت حركة الموحدين التي افضت في النهاية الى تأسيس دولة الموحدين الامازيغ أكبر إمبراطورية إسلامية في القرن الحادي عشر الميلادي.
وقد تأسست دولة الموحدين الامازيغ في البداية من قبل الزعيم الامازيغي ابن تومرت الذي ينحدر من قبيلة مصمودة الامازيغية في منطقة تينمل قرب مدينة مراكش التي أسسها المرابطين الامازيغ. أطلق ابن تومرت دعوته السياسية عام 1118م واتخذ من قلعة تنمل في جبال الأطلس الكبير مقرا رسميا له ولا تزال القلعة التاريخية قائمة حتى اليوم.
قلعة تينمل التاريخية بالأطلس الكبير التي بناها الموحدون الامازيغ |
بعد وفاة ابن تومرت اصبح عبد المومن الكومي الخليفة الحاكم لدولة الموحدين وحكمها من العاصمة مراكش من سنة 1147 م وحتى 1163 م. وطبق ما أخذه من سلفه من علم ومعرفة، فكان أول من وحّد كامل الساحل المتوسطي من المحيط الأطلسي الى طرابلس. فحكمها دولة واحدة هي والأندلس وجعلها تحت حكم واحد.
حكم عبد المؤمن بن علي أربعًا وثلاثين سنة تعد من أزهى عصور بلاد المغرب (شمال إفريقيا)، ورث عن ابن تومرت حركة ثائرة فحولها إلى دولة قوية يحسب لها الف حساب في عصره، ومد سلطانها حتى شملت بلاد المغرب والجزائر وتونس وليبيا حاليا وما بقي من الأندلس ووضع لها القواعد والنظم الإدارية التي تمكن من تسيير أمور الدولة وإدارة شئونها. ويحفظ التاريخ رسالة طويلة بعث بها عبد المؤمن الكومي إلى أهل الأندلس، تعد دستورًا لنظام الحكم في امبراطورية الموحدين.
نظم عبد المؤمن بن علي الكومي أمور دولته وجعل لها مؤسسات، فأنشأ وزارة للعدل والنظر في الشكايات، وخصص لأعمال الحرب والجهاد وزير يسمى "صاحب السيف"، وخصص للثغور وزيرا خاصا، وللشرطة رئيسا أعلى، وجعل للكتابة والمراسلات وزيرًا من أهل الرأي والبلاغة، وكان لعبد المؤمن الكومي مجلس خاص للنظر والمشاورة يحضره الفقهاء ونواب القبائل وكبار رجال الدولة للتداول واتخذ الامازيغية والعربية لغة للحكم وإصدار الأوامر وإدارة شؤون الدولة. وكانت خطب الجمعة تلقى بالأمازيغية والعربية في عهده.
إهتم عبد المؤمن بن علي بالجيش حتى صار من أعظم الجيوش في وقته، وكان هو نفسه قائًدا عسكريا عظيمًا، يشاطر جنوده مشقة الطريق وتقشف الحياة العسكرية، واجتمع له من الجيوش الجرارة ما لم يجتمع لملوك بلاد المغرب مثله في التاريخ، حيث حقق به انتصارات عديدة.
قلعة الوداية بالرباط بناها الموحدون الأمازيغ في عهد عبد المومن الكومي |
بالغ الموحدون في عهد عبد المؤمن بن علي الكومي بالتعليم الإجباري، وكان على كل من انضوى تحت راية الموحدين أن يتعلّم، ولم يقتصر دور التعليم على الرجال، فقد كانت النساء يشاركن الرجال في مدارس تعلم القراءة والكتابة. كما أنشأ عبد المؤمن الكومي مدرسة لتعليم الملاحة بمدينة الرباط، وأخرى لتخريج الموظفين بمراكش، وأخرى لتعلم المبارزة بالسيف والرمي بالقوس وفنون الحرب.
وقد أسس الموحدون الامازيغ في عصره مدينة الرباط واتخذوها عاصمة لهم. بعد مراكش كما بنوا قصبة الوداية وصومعة حسان الشهيرة بالرباط وكذلك شيدوا قصبة مراكش وبنوا الاسوار الضخمة والبوابة التاريخية للمدينة (باب أكناو) وكذلك بنوا مسجد الكتبية الشهير بمدينة مراكش التي أسسها المرابطون الامازيغ من قبلهم واتخذوها عاصمة لهم.
صومعة حسان بالرباط بناها الموحدون الامازيغ |
كما بنى الموحدون في عهد عبد المومن الكومي برج الخيرالدا باشبيلية وأعادوا بناء قلعة طريفة و برج الذهب Torre del Oro بالأندلس لأحكام المراقبة ولازال هذا البرج الحجري المهيب قائما وكأنه شاهد على الماضي الحربي والعمراني المجيد لحضارة الموحدين الامازيغ.
برج الذهب بالأندلس الذي بناه الموحدون الامازيغ في عهد عبد المومن الكومي |
تُوفِّي الزعيم الامازيغي عبد المؤمن بن علي الكومي سنة 1163م وحمل جثمانه إلى منطقة تينمل بالأطلس الكبير ودفن بها إلى جانب قبر الزعيم الروحي للموحدين الامازيغ المهدي ابن تومرت.
المصادر والمراجع:
- ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون – دار الكتاب اللبناني – بيروت – 1981م.
- محمد عبد الله عنان: عصر المرابطين والموحدين في المغرب والأندلس – مكتبة الخانجي – القاهرة 1411هـ = 1990م.
- حسين مؤنس: تاريخ المغرب وحضارته – العصر الحديث للنشر والتوزيع – بيروت – 1412 هـ = 1992م.
- السيد عبد العزيز سالم: المغرب الكبير (العصر الإسلامي)- الدار القومية للطباعة والنسر – القاهرة – 1966م.
- عبد الله علي علام: الدولة الموحدية بالمغرب في عهد عبد المؤمن بن علي – دار المعارف – القاهرة – 1971م.
- إبراهيم علي حسن: عبد المؤمن بن علي الكومي – دار الثقافة – الغرب – 1406هـ 1986م.
مواضيع ذات صلة
التعليقات
ما لا تعرفه عن القائد الأمازيغي العظيم عبد المؤمن الكومي