ماذا فعل البورغواطيون الأمازيغ .. ولماذا شُوهت دولتهم في كتب التاريخ الإسلامي
تعد دولة بورغواطة الأمازيغية أول دولة ظهرت في شمال افريقيا بعد ثورة الامازيغ الكبرى ضد الامويين في شمال افريقيا التي انتهت بدحر الأمويين وطردهم جميعا من شمال افريقيا بكاملها بسبب طغيانهم وتجبرهم باسم الإسلام.
وتفيد المراجع التاريخية أن دولة بورغواطة الأمازيغية نشأت في منطقة تامسنا وهي كلمة أمازيغية تعني السهل المنبسط، وهي المنطقة المعروفة حاليا بـ" دكالة والشاوية و زمور " وسط المغرب، بين نهر أبي رقراق ونهر أم الربيع، وذلك سنة 744م ليمتد حكمها الى حوالي أربعة قرون من الزمن.
ماذا فعل البورغواطيون الأمازيغ ...
أسس البورغواطيون الأمازيغ أول دولة أمازيغية مستقلة بعدما طردوا الأمويين من شمال افريقيا |
وقد كانت بورغواطة أقوى دولة في عصرها بالمغرب الأقصى. وكانت مدينة أزمور هي عاصمتها في البداية، ثم في مراحل متقدمة أتخدوا شالة ثم أسفي عاصمة لهم، كما أسسوا ميناء أسفي واتخذوه مركزا للتبادل التجاري مع الدول الاوربية.
كانت دولة بورغواطة أول دولة تعتمد الأمازيغية لغة رسمية ولغة الحكم والتواصل مع السكان الأمازيغ، وفي أداء الطقوس الدينية، وأرسلت باستمرار ببعثات وسفراء إلى الدول المجاورة.
وينطوي تاريخ هذه الدولة الأمازيغية اليوم على الكثير من الغموض المرتبط بظروف نشأتها ومؤسسها وأيضا بالديانة المحلية التي تبنتها وهي خليط بين مذاهب وروح ديانات مختلفة وشيء من العادات المحلية.
سبب نبذ البورغواطيين من كتب التاريخ العربي و الاسلامي
قبل تأسيس دولة بورغواطة، قاد زعماء البورغواطيون الثورة الامازيغية الكبرى ضد الامويين في شمال افريقيا سنة 123 هجرية والتي انتهت بهزيمة مذلة للجيش الاموي وطرد جميع قادة الامويين من افريقيا وتأسيس اول دولة امازيغية مستقلة عن الخلافة الاموية.
فكان هذا سببا في نبد دولة بورغواطة من كتب التاريخ الإسلامي ومحاولة تشوييه سيرة البورغواطيين.
بالإضافة الى اعتماد البورغواطيون الأمازيغية في أداء الصلوات والادان وفي الطقوس الدينية وميلهم القوي للاستقلال عن الخلافة الأموية بالمشرق.
4 أسباب جعلت البورغواطين منبوذين في كتب التاريخ العربي والاسلامي
- مشاركة البوغواطيون في قيادة الثورة ضد الأمويين العرب وطردهم من شمال افريقيا
- تاسيس أول دولة مستقلة سياسيا ولغويا عن الخلافة الأموية بالمشرق
- اعتماد الأمازيغية في الصلوات والطقوس الدينية
- نسف خرافة وجوب النسب القريشي المقدس لتولي الحكم
فقد أطلق البرغواطيون الأمازيغ، جنبًا إلى جنب مع القبائل الأمازيغية الاخرى مثل زناتة وغمارة ومكناسة، الثورة الأمازيغية الكبرى ضد الامويين الطغاة عام 739 ، حيث كان القادة الأمويون يفرضون الجزية و يسبون النساء بالقوة رغم إسلام الأمازيغ قاطبة! فتأكد للزعماء الأمازيغ أن غاية الامويين في شمال افريقيا الاستبداد بالحكم وتحصيل الغنائم والجواري لا غير.
وقد أيّد الوعاظ الخوارج الصوفيون، الثورة الأمازيغية ضد الأمويين، وهي طائفة إسلامية تبنت عقيدة تمثل المساواة الكاملة في معارضة الاستبداد الأموي بالحكم ورفض التعصب الأموي للنسب القريشي كشرط أساسي للاستئثار بالحكم.
وقد انتخب الثوار الأمازيغ القائد ميسرة المطغري لقيادة ثورتهم ضد الأمويين، ونجحوا في السيطرة على كل ما يسمى الآن المغرب الكبير تقريبًا، مما ألهم المزيد من الثورات والتمردات في والأندلس.
وفي سنة 741 خاض الثوار الأمازيغ معركة بوقدرة Battle of Bagdoura ، ضد الأمويين، وقضوا على الجيش الاموي الذي أرسله الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك من الشام.
وقد كان البرغواطة الامازيغ قبل تأسيس دولتهم، بصفتهم مفجري الثورة الأمازيغية الكبرى ضد الأمويين، مستائين من المحاولة التي قام بها أتباع لاحقون، ولا سيما بعض زعماء قبائل زناتة، بالدعوة للتهدئة لوأد التمرد.
وبعد نجاح الثورة، ولأن هدفهم الأساسي - تحرير شعبهم من الحكم الأموي - قد تحقق بالفعل ، ولم يكن هناك احتمال كبير في إعادة فرضه على الإطلاق ، لم ير أهل البرغواطة فائدة تذكر في استمرار الحملات العسكرية.
وفي سنة 744، انسحب البرغواطة من تحالف الثوار، وتراجعوا إلى منطقة تامسنا ، على الساحل الأطلسي للمغرب، حيث أسسوا دولتهم المستقلة الجديدة دولة بورغواطة وهي أول دولة أمازيغية مستقلة تماما عن الخلافة الأموية بالمشرق.
من هو مؤسس دولة بورغواطة؟
مؤسس دولة بورغواطة هو الزعيم الأمازيغي صالح بن طريف الزموري، الذي ولد حوالي سنة 718 ميلادية ونشأ في بلاد تامسنا (دكالة والشاوية حاليا)، وكان متأثراً بالخوارج الصفرية، والنزاعات الاستقلالية التي انتشرت بانتشار الخوارج بالمغرب جعلته يتخذ توجها متطرفا ومستقلاً عن الإسلام.
فأخبر قومه الأمازيغ في منطقة تامسنا أنه نبي مبعوث إليهم بلغتهم. واحتج بآية في القرآن «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ...»، وذكر لهم أن محمدا نبي حق عربي اللسان مبعوث إلى قومه وإلى العرب خاصة.
فقام صالح بترجمة القران الى الامازيغية. وذكر لقومه أنه مذكور بقرآن المسلمين في الآية «وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ».
ويورد المؤرخون أن ميسرة كتب له كتاباً إلى أهل تامسنا وقومه من زناتة يوصيهم به ويصف فضل صالح بن طريف وعمله، فأقروا بفضله واعترفوا بولايته فولوه على أنفسهم. وترك أربعة أولاد. فتولى الأمر من بعده ابنه صالح. وروى ابن حوقل والناصري أن صالح بن طريف رحل إلى المشرق وقرأ على عبيد الله المعتزلي، ودرس علم الفلك والتنجيم، واشتغل بالسحر وجمع منه فنونا، قبل أن يعود إلى قومه ويؤسس دولة بورغواطة.
من هم حكام دولة بورغواطة ؟
حكم البرغواطة الأمازيغ منطقة تامسنا لأكثر من ثلاثة قرون (744- 1058). وبدأت الدولة تحت حكم صالح بن طريف ثم ابنه إلياس بن صالح ( 792-842)، ثم خلفه يونس بن إلياس (842-888) ثم أبو غفيل (888-913) ثم أبو الأنصار (917-961) ثم أبو منصور عيسى (961- 1012) (المصدر)
وقد تم توحيد جميع قبائل تامسنا تحث حكم دولة برغواطة وأسسوا جيشا قويا حال دون سقوط دولتهم حتى ظهور المرابطون الأمازيغ بقيادة الزعيم الأمازيغي يوسف بن تاشفين.
ديانة دولة بورغواطة الغامضة
اعتمدت قبائل بورغواطة ديانة مختلفة سنها صالح ابن طريف، ويرد في الجزء الثاني من مؤلف "مجمل تاريخ المغرب" بهذا الخصوص ما يقال عن صالح بن طريف من "أنه ادعى النبوة" وأنه كتب قرآنا باللغة الأمازيغية، ولاتزال شذرات منه بالمتحف البريطاني حتى اليوم، كما أنه حدد أوقاتا للصيام ، وأجاز الصلاة باللغة الأمازيغية، وذلك الاذان بالأمازيغية، وحرم تخطي الدم المسفوك على الأرض ونهى عن اكل بعض المأكولات، مثل الديك الكبير في السن، وشرع طقوس اشعال النار والتبرك بالماء في عاشوراء أو ما يسمى اليوم لدى العوام اليوم "زمزم".
هذه المعلومات نجدها أيضا بالتفصيل في مؤلف "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب"، ومما يشير إليه ما سنه ابن طريف، بخصوص صوم رجب وإفطار رمضان. أيضا سن طريقة مختلفة في الوضوء، وأداء بعض صلوات في النهار والليل، وبعض تلك الصلوات كانت تتم إيماء بلا سجوء وبعضها شبيه بصلاة المسلمين.
ويشير بحث "من جديد حول برغواطة هراطقة المغرب في العصر الإسلامي" إلى ما ادعاه صالح ابن طريف عن أن قرآنا آخر أنزل عليه وكان يتلو آيات منه بالأمازيغية يزعم أنها من وحي الله إليه.
نهاية بوغرواطة
انتهت دولة بورغواطة على يد المرابطين الأمازيغ بعد أربعة قرون من قيامها. وعاد البورغواطيون ليظهروا في عهد الموحدين الأمازيغ من خلال تزعمهم لثورات ضد هؤلاء، في عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي الذي تصدى لتلك الثورات وقضى بشكل نهائي على كل أثر للبورغواطيين.
وقد خاضت دولة بوغرواطة الأمازيغية قبل ذلك حروبا ومعارك ضارية ضد التدخلات الخارجية وقد صدت بورغواطة هجومين للأمويين في بداية تأسيسها، فضلا عن الهجمات التي شنها الفاطميون.
وقد نشبت حرب عصابات مكثفة كذلك مع بني يفرن في القرن الحادي عشر، مما أضعف بورغواطة كثيرا، إلا أنها ظلت قادرة على صد هجمات المرابطين وقد سقط الزعيم الروحي للمرابطين، عبد الله بن ياسين في معركة ضد البورغواطيين سنة 1058. وفي سنة 1149 تمكن الموحدون الأمازبغ من القضاء نهائيا على قوة بورغواطة السياسية والدينية. فبسط الموحدون الأمازيغ حكمهم على كامل المغرب والأندلس.